حديث العقل
عبدالبديع المكابرابي ✍️
*معلومة مجانية يتلقاها العدو أقوى من صاروخ موجه*
في زمنٍ أصبحت فيه الحروب تُدار بالعقول قبل أن تُدار بالسلاح
لم تعد المعارك تُحسم بالقوة النارية فقط بل بالكلمة والمعلومة والصمت الواعي
فالمعلومة اليوم قد تُنقذ مدينة وقد تُدمّرها
إنها الرصاصة التي لا صوت لها ولكن أثرها أعمق من هدير المدافع
الشعب السوداني بطبعه الأصيل شعب طيب القلب شفاف بطبيعته لا يعرف المكر ولا الخداع وهذه صفات كريمة في السلم لكنها في الحرب قد تتحول إلى ثغرات مميتة
حين تستهدف طائرة مسيرة موقعًا حيوياً كمنشأة نفطية أو محطة كهرباء لا تمر ساعات حتى يظهر مسؤول رفيع في موقع الحدث
يتحدث أمام الكاميرات بكل تفاصيل ما جرى فيقول مثلاً
الحمد لله تمكنا من حماية الخط الفلاني ولم تصب إلا أجزاء بسيطة من الموقع
هذه التصريحات التي تبدو مطمئنة للناس هي في حقيقتها خدمة استخباراتية مجانية للعدو
فهو يتابع ويضحك
يقول في نفسه شكراً أيها المسؤول لقد أكملتَ لي خريطة الهدف وسأعود غدًا لأصوّب بدقة
في مثل هذه الظروف لا بد من إدراك أن الحرب الإعلامية لا تقل خطورة عن الحرب في الميدان
وأن كل معلومة تُنشر بلا وعي قد تتحول إلى دليل مجاني يستعين به العدو لإعادة الاستهداف بذكاء وقسوة
منشورات المواطنين في وسائل التواصل التي تكشف مكان الضربة ونوعها وتفاصيل ما حدث تزيد النار اشتعالاً وتكشف ظهر الوطن لأعدائه
إن التكتّم في وقت الحرب ليس جبناً بل قمة الشجاعة
وإخفاء التفاصيل الدقيقة ليس تقصيرًا بل حماية للبلاد
المواطن اليوم جندي بهاتفه الذكي
كل ما يكتبه قد يُبنى عليه هجوم أو تُمنع به كارثة
فلنحذر من أن نكون أدوات دون أن نشعر
ولنُدرك أن معلومة مجانية أقوى من صاروخ موجه
