عمر مختار حاج النور *ملاحقة مجرمي مليشيا الدعم السريع دولياً بين الممكن والمأمول* (1__3)
عمر مختار حاج النور
*ملاحقة مجرمي مليشيا الدعم السريع دولياً
بين الممكن والمأمول*
(1__3)
إن المتتبع لسلوك مليشيا الدعم السريع منذ إندلاع الحرب، يلحظ بوضوح أنها لم تترك جريمة بشعة أو إنتهاكاً صارخاً، سواء كان موصوفاً في القوانين الوطنية الداخلية أو في تشريعات المنظمات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان وصيانة أمن المجتمعات، إلا وأتتها.
تشمل هذه الجرائم على سبيل المثال لا الحصر: القتل الممنهج والإبادة الجماعية، لا سيما على أساس عرقي، الإغتصاب الممنهج وإستخدامه كسلاح حرب، التهجير القسري والتطهير العرقي، التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، تجنيد الأطفال وإستغلالهم في النزاعات المسلحة، إستهداف الأعيان المدنية بما في ذلك نهب وحرق القرى والأسواق، تدمير ممنهج للمستشفيات ومراكز الخدمات الصحية، الإعتداء على قوافل المساعدات الإنسانية والعاملين في المجال الإنساني، إتلاف وتعطيل مصادر المياه والطاقة ومشاريع البنية التحتية الحيوية، بالإضافة إلى النهب المنظم والسرقة والتملك الجنائي والإبتزاز وترويع المدنيين الآمنين. والقائمة تطول لتشمل عشرات الجرائم الموثقة والمعلومة.
وقد قامت مختلف وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية بتوثيق العديد من هذه الجرائم والإنتهاكات الجسيمة. وفي مفارقة مأساوية، وثّقت هواتف أفراد المليشيا أنفسهم بعض هذه الفظائع، كما وثقت أيضًا عمليات هروب الجناة خارج البلاد وبحوزتهم الأموال والمسروقات، من مركبات ومقتنيات ثمينة، لتجد طريقها عبر الحدود إلى بعض دول الجوار الغربي والجنوبي. أمام هول هذه الممارسات، تتعالى تساؤلات المواطنين عن الممكن والمأمول من أجهزة إنفاذ القانون الوطنية والمنظمات الدولية في إسترداد المتهمين الفارين وإعادة الأموال المسروقة والمنهوبة. وتلح الأسئلة بشكل خاص عن دور الأجهزة الوطنية والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) في ملاحقة وإسترداد هؤلاء الجناة لينالوا العقاب المستحق جزاءً وفاقاً لما إقترفته أيديهم الآثمة. كما تمتد التساؤلات عن إمكانية إستعادة الأموال والمقتنيات الثمينة المسروقة.
إجمالاً، يمكن القول بأن تحقيق ذلك ممكن وميسور، ولكن الإجابة الشافية والوافية تقتضي أن نلمّ أولاً بمعلومات أساسية ومهمة عن منظمة الإنتربول، أهدافها، أجهزتها المتخصصة، نوع الجرائم التي تنشط في مكافحتها، وطرق وأساليب تعاطيها مع الأفعال الإجرامية التي تقع داخل أقاليم الدول الأعضاء، وغيرها من التفاصيل الهامة، إذ أن مسألة التعاون الدولي لمكافحة الجريمة وملاحقة المتورطين فيها تكتنفها الكثير من التعقيدات.
تعتبر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، التي تأسست في مدينة فيينا بالنمسا عام 1923، صاحبة الإختصاص الأصيل في الشأن الجنائي العالمي. وهي منظمة حكومية دولية تُوصف بأنها جهاز أمني دولي، يُناط به تنسيق وتعزيز التعاون الشرطي الدولي لمكافحة الجريمة عبر عدة أنشطة رئيسية، نذكر منها:
* تبادل المعلومات الجنائية بشكل آمن وفعال.
* تنسيق جهود أجهزة ووكالات الشرطة بالدول الأعضاء لمواجهة التحديات الإجرامية العابرة للحدود.
* تسهيل عمليات تسليم المطلوبين، وملاحقة واسترداد الهاربين من وجه العدالة.
* تقديم الدعم الفني والمساعدة اللازمة في إكمال التحقيقات الجنائية التي تباشرها أجهزة إنفاذ القانون بالدول الأعضاء.
* العمل على رفع وبناء قدرات الكوادر البشرية العاملة في مجال منع الجريمة واكتشاف ما يقع منها، من خلال التدريب المستمر، وصولاً لتحقيق مبدأ “عدم الإفلات من العقاب”، واتساقاً مع شعار المنظمة الهادف إلى جعل “العالم أكثر أمناً”.
تمثل الأمانة العامة للإنتربول، ومقرها مدينة ليون بفرنسا، الذراع التنفيذي للمنظمة. يترأسها أمين عام يُعتبر المسؤول الأول عن حُسن إدارة شؤون الأمانة، ويعاونه فريق من الكوادر عالية التأهيل وواسعة الخبرة، يضم ضباط شرطة متقاعدين يتم اختيارهم من أجهزة ووكالات شرطة الدول الأعضاء، بالإضافة إلى نخبة من القانونيين والفنيين والإداريين الأكفاء.
يتضمن الهيكل التنظيمي للأمانة العامة عدة إدارات وأقسام يختص كل منها بمجال محدد، مثل: مكافحة الإرهاب، الجريمة المنظمة والعصابات الناشئة، الجرائم المالية والفساد، الجرائم السيبرانية، تهريب المخدرات، تهريب الأسلحة، والإتجار بالبشر، وغيرها من الأفعال الإجرامية الخطيرة العابرة للحدود الوطنية.
ويضم هيكل الأمانة العامة قسماً حيوياً يُعنى بإدارة قواعد بيانات الإنتربول، والتي تحتوي على ملايين المعلومات والبيانات التفصيلية عن المجرمين الدوليين والهاربين، والمجرمين الخطرين، صور وبصمات أصابع الأشخاص المتوفين مجهولي الهوية جراء حوادث جنائية أو كوارث طبيعية. كما تحتوي أيضاً على صور وبيانات عن المركبات والمقتنيات الثمينة، والقطع الأثرية، واللوحات والأعمال الفنية، والمخطوطات النادرة المسروقة، والكثير من المعلومات عن المفقودات ذات القيمة المادية أو التاريخية، يعتبر هذا القسم من أهم أقسام الأمانة العامة نظراً لدوره المحوري في دعم التحقيقات الدولية.
إن الإطلاع على محتويات قواعد بيانات الإنتربول متاح على مدار الساعة لأجهزة ووكالات الشرطة بالدول الأعضاء، وذلك من خلال شبكة اتصالات مؤمنة تسمى I _24/7 تعمل بتقنيات متطورة مثل نظام الإتصال عبر الأقمار الصناعية (V-SAT). تربط هذه الشبكة بين محطة بث مركزية في رئاسة الأمانة العامة ومحطات طرفية منتشرة بمقرات المكاتب المركزية الوطنية في الدول الأعضاء.
تعتبر المكاتب المركزية الوطنية نافذة التواصل الوحيدة لأجهزة إنفاذ القانون الوطنية مع الأمانة العامة للإنتربول وكافة الدول الأعضاء الأخرى.
هنالك عدة وسائل وأساليب تتبعها منظمة الإنتربول لجمع وتبادل المعلومات الجنائية المتعلقة بالجرائم المرتكبة داخل أقاليم الدول الأعضاء، والمعلومات المفيدة في التحقيقات الجنائية التي تجريها أجهزة إنفاذ القانون، وكل ما يفيد في ملاحقة مرتكبي الجرائم الفارين من وجه العدالة، ومحاصرة الأنشطة الإجرامية المختلفة، والتعريف بالأساليب الإجرامية المستحدثة. ومن أشهر هذه الوسائل وأكثرها إستخداماً هي النشرات الجنائية المرمزة بالألوان، نذكر منها:
* النشرة الصفراء: تصدر بغرض المساعدة في تحديد أماكن وهوية الأشخاص المفقودين، خاصة القُصَّر، والأشخاص العاجزين عن التعريف بأنفسهم بسبب اختلال عقلي أو نفسي أو بسبب أمراض الشيخوخة.
* النشرة الزرقاء: تصدر بغرض جمع معلومات إضافية عن هوية شخص ما يواجه تحقيقات جنائية، أو تحديد مكان تواجده، أو أنشطته المتصلة بالتحقيقات الجارية.
* النشرة السوداء: يُراد بها الحصول على معلومات عن جثة أو جثث مجهولة الهوية.
وهنالك أيضاً نشرات تحمل الألوان (الأخضر، البرتقالي، والبنفسجي)، ولكل واحدة منها غرض محدد يخدم أهدافاً شرطية معينة.
على تعدد نشرات الإنتربول المرمزة بالألوان، إلا أن أعلاها صيتاً وأوسعها ذيوعاً وشهرة لدى العامة هي النشرة الحمراء، وذلك لخطورة ما يستتبع صدورها من إجراءات تتعلق بطلب تحديد مكان شخص مطلوب تمهيداً لتسليمه.