الطيب قسم السيد يكتب : *في حكاياتنا مايو*
الطيب قسم السيد يكتب :
*في حكاياتنا مايو*
في ٢٥/مايو/١٩٦٩/،، وبعد فشل الاحزاب السودانية في الاتفاق على إجازة دستور دائم للبلاد،، وتحقيق الاستقرار والتنمية المطلوبين،، استلم تنظيم الضباط الأحرار المتحالف مع الحزب الشيوعي وقتها،، السلطة من الاحزاب السياسية.. الخطوة التي اعلنها، بيان اللواء اركان حرب وقتها،، جعفر محمد نميري ،، وقد حمل بيان الانقلاب الاول الاحزاب،، مسؤولية التدهور الذي ظلت تعانيه البلاد منذ الاستقلال.. بما في ذلك تسببها في استلام الفريق ابراهيم عبود رئيس المجلس العسكري الأعلى الذي حكم البلاد حتى ثورة اكتوبر١٩٦٤.اذ استلم عبود السلطة حسب ما هو مرجح،، من حزب الامة بوساطة السيد عبد الله خليل عندما شعر حزبه ،، بنوايا وصفها بالتأمرية عليه، من حزبي الشمال الآخرين- الشعب الديمقراطي،، والوطني الاتحادي- ولم تكن اسباب انقلاب ٣٠/يونيو/١٩٨٩م هي الاخرى، مغايرة لحالتي ١٧/نوفمبر/١٩٥٨،، و٢٥/مايو/١٩٦٩، لان فشل الاحزاب في ديمقرطية ما بعد ابريل/ ١٩٨٥،، وتباكيها على مآل الاحوال،، حكومة ومعارضة،، في جلسة عاصفة للجمعية التأسيسية، وفشلها في اجازة الموزنة العامة وقتها،، حتي جلسة برلمانهم الإضافية التي انعقدت ليلة ال٣٠/من يونيو ١٩٨٩،،التي كانت الاخرى وراء استلام الجيش السلطة، من الأحزاب السياسية بتحالف مع الاسلامين، حيث ذهب زعيمهم حسب قوله، للاسر ودفع،بقائد الانقلاب وقتها العميد ركن (عمر حسن أحمد) الذي لم يضف اسم جده البشير لاسمه لحظة تلاوته لبيان الثورة الأول. فذهب الشيخ حسن عبدالله الترابي حسب افادته، في إحدى جلسات مؤتمر الحزب العام عقدت بالنادي الكاسوليكي بالخرطوم.. اذ كشف إنهم كانوا متفقين على ان يذهب البشير للقصر رئيسا،، ويذهب هو للسجن حبيسا
لن اخوض عبر هذا المقال، في جدلية تحليلية،عن اسباب ودافع الانقلابات الثلاثة نوفمبر/ ومايو/ ويونيو/،، ولكني أدعوكم لمتابعة هذه الحكاية التي عشتها وانا صبي في الصف الخامس بالمرحلة الإبتدائية، ويمكنكم بين سطورها إستشفاف ما ارمي إلى الاشارة اليه،او ربما اسعى لتاكيده من خلال اقدامي على سردها.. و(الحاي الله، والكاتل الله) كما يقول استاذنا الاذاعي الضليع الراحل،، محمد سليمان بشير (دبنقا)رحمه الله وطيب ثراه.
عند زيارة الرئيس الاسبق الراحل جعفر نميري رحمه الله لمنطقتنا ود الحداد.. في مطلع سبعينات القرن الماضي.كنت تلميذا بالصف الخامس الابتدائي..وكان يدير مدرستنا قندال الابتدائية،، استاد مبدع يعشق الفنون ويكتشف المواهب ويرعاها،، ويشرف بنفسه علي جمعيتنا الادبية..كان شديد الاهتمام بي شخصيا..اختارني مقدما دائما لبرنامج الجمعية الادبية.. الذي اذكر جيدا،، انه كان ينظم كل اربعاء..وينتظره اقراني من التلاميذ واهل قريتنا وفي مقدمتهم لجنة تطوير القرية.. ذلك الجسم المنتشر وقتها،، في جميع قري وطننا العزيز.. بعد ان حل نميري رحمه الله الادارة الاهلية في بلادنا.
أستاذي الجليل اطال الله عمره الرفاعي محمد عبد اللطيف،، مدير مدرسة قندال الابتدائية..كان شاعرا وممثلا وعازفا ماهرا علي الإيقاع.. كتب قصيدة بالعامية حينما قرر الرييس الاسبق جعفر نميري زيارة منطقتنا ضمن جولة ميدانية واسعة له في مديرية النيل الازرق القديمة التي كانت تضم النيلين الازرق والابيض والجزيرة.. كان ينوي اسناد القائها لي في حشد استقبال السيد الرئيس لدى زيارته لمنطقتنا..لكني اقنعته بأخرى كانت من نظمي..فا عجب بها وبهره اسلوب القائي لها أمامه عدة مرات،، فاقنع لجنة التحضير العليا لزيارة الرئيس نميري رحمه الله الي منطقتنا- ود الحداد- بان تلميذا عنده بالصف الخامس هو الذي سيلقي قصيدة من نظمه وصفها بالممتازة، محتوى ونظما.. ورغم تردد بعض اعضاء اللجنة الا ان استاذي الرفاعي ومدير مدرستنا قندال الابتدائية.. قطع استغراب اعضاء اللجنة وتردد بعضهم بالتزامه باحضاري لالقاء القصيدة امامهم. ويترك لهم الحكم علي مقداراتي التي ادعاها فيما يتعلق بصوتي الذي ابلغهم انه جميل.. ولغتي التي راهن علي انها سليمة.
https://www.facebook.com/share/p/14ztNFDarzg/
عند عودته الي القرية اسرع الاستاذ الرفاعي اطال الله عمره،، فهو يقطن الان بمدينة العزازي بغرب الجزيرة.. هو الان موجه تربوي بالمعاش..اسرع استاذي الرفاعي في طلبي.. وشرع في تدريبي علي القاء القصيدة مستنهضا لدي كل محسنات الاداء من صوت.. ولغة.. وتركيز.. وحركة جسد.. فحفظت القصيدة عن ظهر قلب.. رغم ان حفظها لم يكن شرطا.عند لجنة الاحتفال.
ذهبت في معية الرجل لمقابلة اللجنة المكلفة ببرنامج الحفل والعرض المدرسي..وكان يراسها مدير المدرسة الثانوية العامة وقتها الاستاذ محجوب.. وكان مقررها مفتش الصحة بالمجلس واسمه السر.
طريقة أدائي القصيدة والجرأة التي اتسم بها.. ادهشت اعضاء اللجنة.. فقرروا اعتمادها ضمن البرنامج الرئيس للاحتفال.
وصل الرئيس الاسبق نميري منطقتنا علي متن طائرة هيلوكوبتر احدث هبوطها دهشة بين الاهالي اذ إنها المرة الاولي التي تحدث فيها عندهم تلك السابقة….ثم استغل عربة مكشوفة لتحية المحتشدين لاستقباله.. ليبدا بعد ذلك الاحتفال. المنبري .ويتوالى تقديم الفقرات الي ان جاء دوري.. فقدمني مقدم البرنامج ..وكنت واهل المنطقة نعلم ان الاحتفال منقول عبر الاذاعة السودانية علي الهواء قياسا على الذي سبقه وكان منقولا من مايرنو جنوب سنار….وكان الاذاعي الكبير عبد الرحمن احمد رحمه الله ،، من قام بنقل وقائعه على الهواء مباشرة.
كنت انتظر لحظة تقديمي وصعود المنصة وكنت اعلم ان صوتي سيسمع عبر الإذاعة السودانية لأول مرة عبر البث الحي للاحتفال.. وعند صعودي المنصة كنت موقنا انني امام تجربة ليست بالسهلة… ذلك ان السيد الرئيس ومرافقيه في تلكم الزيارة ،، من الوزراء وكبار المسؤلين سيستمعون إلي وانا القي تلكم القصيدة التي كانت من تأليفي ولكنها اخضعت لمراجعة وسمكرة باشرها استاذي الرفاعي .. بيد انها لم تطال مقطعها الاخير،، الذي يقول:-
يا وطنا ارادوك مهدا للتناحر والتنازع والخطوب..
لن تظل مريض افريقيا،
ولن تغيب شمسك
بعد ان مالت للمغيب..
ومع هذه الخاتمة لقصيدتي تلك دوت عاصفة من التصفيق.. كادت تزلزل اقدامي..
لأفاجأ وانا اهم بمغادرة المنصة.. باحدهم،، يقودني، الي حيث يجلس السيد الرئيس لأدهش لدرجة كانت فوق إحتمالي.. فالسيد الرئيس ووفده الكريم المرافق الذي كان يضم الرائد وقتها ابو القاسم محمد ابراهيم،، عضو مجلس قيادة الثورة،، والدكتور محي الدين صابر وزير التربية والتعليم ،، والدكتور طه بعشر وزير الصحة، والدكتور عثمان ابو القاسم،،وزير التعاون والتنمية الريفية،، وخلفهم المقدم صلاح عبد العال مبروك،، مدير مكتب السيد الرئيس،، كانوا جميعا وقوفا لتحيتي !!! فكانت لحظة تاريخية في حياتي،، لن تنسى او تغيب عن ذاكرتي،، هي انبعاث صوتي للمرة الأولى من الإذاعة السودانية التي تبلور ترعرع من اللحظة تلك حلم ولوجي مجالها،، الذي تكاملت فيما بعد،العديد من المقومات والمحددات التي ساهمت في اجتيازي لكل ،ماهو مطلوب ممن يفكر في إرتياد عالمها،ومباشرة ذلك الفن الابداعي الرفيع.. وكل عام وانتم بخير.
___________________