منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

خبر وتحليل – عمار العركي *_الدبلوماسية الحدودية بين السودان وجيرانه الشرقيين: خطوات عملية في حمداييت واللفة_*

0

خبر وتحليل – عمار العركي

*_الدبلوماسية الحدودية بين السودان وجيرانه الشرقيين: خطوات عملية في حمداييت واللفة_*

▪️ظلَّ ملف العلاقة السودانية مع إثيوبيا وإريتريا من أبرز القضايا التي نوليها اهتماماً خاصاً وتحليلاً مستمراً، لا سيما في إطارها الحدودي المشترك، انطلاقاً من قناعة استراتيجية بأن الحدود لا تُجسّد فقط خطوط التماس الجغرافي، بل تعكس بشكل مباشر شكل ومضمون العلاقة السياسية والأمنية بين الدول المتجاورة، وتُعدّ بمثابة مرآة صادقة لحالة الاستقرار أو التوتر.
▪️وفي خطوة لافتة تحمل مؤشرات متعددة، قام الفريق ركن ” ياسر محمد عثمان ” المدير العام للمعابر والمنافذ الحدودية، بزيارة رسمية ميدانية إلى معبر “حمداييت” بولاية كسلا، على رأس وفد نوعي واستراتيجي يضم ممثلين من الجهات المعنية بالملف الحدودي، أمنياً ومدنياً، حيث عقد لقاءات واجتماعات تنسيقية مع السلطات المختصة، أسفرت عن التوجيه باستئناف العمل في المعبر رسميًا، بعد توقف طويل.
▪️وتأتي أهمية الزيارة من واقع الأهمية الجيوسياسية لمنطقة “حمداييت” الحدودية ، التي تقع في ولاية كسلا ، بمحاذاة محافظة “الحمرا” في إقليم غرب تغراي الإثيوبي، وعلى بُعد مسافة قصيرة من مدينة “تسني” الإرترية. هذا التموقع يجعل من حمداييت نقطة التقاء حدودية ثلاثية تجمع “السودان وإثيوبيا وإريتريا”، ما يمنحها أهمية استراتيجية خاصة، باعتبارها نافذة أمنية وتجارية وإنسانية بالغة الحساسية. فهي بوابة عبور رئيسية للاجئين في أوقات النزاعات، ومعبر محتمل لحركة السلع والتجارة في فترات الاستقرار. كما أن اقترابها من مناطق النزاع الإثيوبية، وبالأخص بقاء القوات الإرترية في إقليم غرب تغراي رغم اتفاق السلام الهش في “بريتوريا”، يزيد من تعقيدات المشهد ويُبرز أهمية الإدارة الدقيقة لهذه النقطة الحدودية ضمن رؤية أمنية متكاملة تعزز الاستقرار وتدعم المصالح الوطنية السودانية في توازن علاقاته بالجارتين.
▪️وتُظهر هذه الخطوة، في ظاهرها، بُعداً تنموياً واقتصادياً في ظل تعقيدات الوضع الأمني، لكنها في جوهرها تعكس توجهاً جديداً نحو اعتماد ما يمكن تسميته بـ”الدبلوماسية الحدودية”، وهي مقاربة تقوم على تحريك الملفات الراكدة والمتجمدة عبر المعابر الحدودية، وخلق واقع ميداني يعزز من فرص الاستقرار، ويدفع نحو بناء علاقات حسن جوار، حتى في ظل التوترات السياسية القائمة.
▪️فعلى الرغم من التوترات السياسية القائمة بين السودان وإثيوبيا، بسبب اتهامات مباشرة بدعم سياسي واضح وغير مباشر عسكرياً للجناح السياسي للمليشيا المتمردة، ومشاركة أعداد كبيرة من المواطنين الإثيوبيين في القتال إلى جانبها داخل السودان، إلا أن استئناف العمل في معبر ً”حمداييت”، رغم هذه الملابسات، يرسل إشارات إيجابية عن حرص السودان على ضبط العلاقة مع جيرانه وفق مبدأ ” الحدود الآمنة والمستقرة “، بوصفه مدخلاً لبناء علاقات تنموية واقتصادية وإنسانية مشتركة.
▪️وفي تطور موازٍ يعزز من مقاربة “الدبلوماسية الحدودية” ويؤكد أهمية الانفتاح العملي على إريتريا، قام والي ولاية كسلا اللواء ركن م “الصادق الأزرق”، يرافقه الفريق ركن “ياسر محمد عثمان” ووفده الاتحادي، بزيارة ميدانية تفقدية إلى معبر “اللفة” الحدودي مع دولة “إريتريا”، وذلك للوقوف على جاهزيته لاستئناف العمل فيه. وفي تصريحاته، أكد الفريق “ياسر” على أهمية المعبر، مشيراً إلى أنه ظل يعمل خلال الفترة الماضية على تقديم خدمات الجوازات للاجئين السودانيين المتجهين نحو ولاية كسلا منذ اندلاع الحرب، وأنه مع تحسن الأوضاع، بدأت عمليات العودة الطوعية. وبيّن أن الوفد الاتحادي عقد اجتماعاً موسعاً مع الوالي توصل فيه إلى حزمة قرارات تهدف إلى تطوير عمل المعبر واستئناف نشاطه التجاري والاقتصادي والاجتماعي في أسرع وقت ممكن.
▪️هذه الخطوة تحمل دلالات واضحة على أن السودان لا يكتفي بإدارة التحديات مع “إثيوبيا”، بل يمد جسور التعاون العملي مع “إريتريا”، مستثمراً في العلاقات الإيجابية القائمة، وباحثاً عن بناء شراكة حدودية متكاملة تعزز الأمن والتنمية في المحيط الشرقي للبلاد.
▪️وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بأن الفريق ركن “ياسر محمد عثمان” شغل سابقاً منصب مدير هيئة الاستخبارات العسكرية، وهو ما يُضفي على زيارته الحالية إلى معبري “حمداييت واللفة” بعداً استراتيجياً إضافياً. فالرجل يدرك، من موقعه السابق، أن العلاقة مع دول الجوار – خاصة في المحاور الحدودية الحساسة – لا تُدار فقط بالقرارات المدنية، بل تحتاج إلى قراءة استخبارية مُعمقة تعي حجم التعقيدات والمهددات، وتضع في الاعتبار كافة السيناريوهات الأمنية والجيواستراتيجية المحتملة.

*خلاصـــة القـــول ومنتهـــاه:*

▪️إننا، من منطلق واقعي واستراتيجي، نؤيد هذه الخطوات ونباركها ضمن إطار “الدبلوماسية الحدودية”، ونسجل أهميتها بوصفها انفتاحاً إيجابياً ومدروساً على الجارتين
“إثيوبيا وإريتريا “، في إطار علاقة متوازنة تحترم السيادة وتُعلي من شأن المصالح المشتركة، وتعزز الاستقرار الحدودي شرق السودان، خاصة في ظل ظروف الحرب التي تمر بها البلاد.
▪️وعليه، فإننا نُوصي بتطوير هذا التوجّه من مستوى الدبلوماسية الحدودية الأفقية، إلى دبلوماسية رأسية متكاملة، تُفعَّل فيها آليات التنسيق السياسي والدبلوماسي على مستوى وزارات الخارجية واللجان الثنائية العليا، استناداً إلى قناعة راسخة بأن العلاقات الحدودية تُشكّل أحد أهم ضمانات تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول. ومن شأن هذا التطوير أن يُفضي إلى بناء شراكات استراتيجية أكثر رسوخاً واستدامة مع دول الجوار الشرقي، في إطار رؤية شاملة لأمن واستقرار السودان الإقليمي والدولي.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.