منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

بقلم د.إسماعيل الحكيم.. *بين الطموح الوطني .وتحديات الواقع السوداني خطاب كامل إدريس ..*

0

بقلم د.إسماعيل الحكيم..

*بين الطموح الوطني .وتحديات الواقع السوداني خطاب كامل إدريس ..*


أطلّ الدكتور كامل إدريس رئيس وزراء السودان، في واحدة من أكثر اللحظات المفصلية في تاريخ السودان الحديث، بخطاب وصفه مراقبون بأنه حمل ملامح رؤية إصلاحية وطنية طموحة ، تسعى لتجاوز آثار الحرب وبناء دولة قادرة على النهوض رغم الدمار الممنهج والمقصود . وقد حمل الخطاب عدة رسائل مهمة، تمثلت في التركيز على الاقتصاد فهو عماد النهضة ، ودعم الصادرات الزراعية والصناعية، والدعوة إلى إعادة الإعمار، وفتح أبواب الحوار الوطني بين مكونات المجتمع، مع التزام صريح بالوقوف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية والمجتمعية.
جاء خطاب رئيس الوزراء محملاً بمفردات تؤكد أنه يدرك عمق الأزمة التي يعيشها السودان، خاصة في ظل “حرب الكرامة”، والتي أفرزت تداعيات إنسانية واقتصادية غاية في الأهمية . فقد أشار إدريس إلى عدة محاور أساسية منها
– التركيز على الاقتصاد والإنتاج وذلك بتأكيده على تنمية الصادرات الزراعية والصناعية، فقد منح الخطاب أولوية واضحة لإعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران بعد توقف طويل ، وهو أمر حيوي في ظل انهيار البنى التحتية وتشريد ملايين المنتجين .
– إعادة الإعمار عبر استنفار الموارد المحلية وجذب الدعم الدولي، إذ يبدو أن الحكومة الانتقالية تضع ضمن أولوياتها ترميم ما دمرته الحرب من منشآت ومرافق خدمية، وهو رهان كبير يتطلب جهداً تنسيقياً عالياً بين مؤسسات الدولة والمجتمع الدولي.
– الحوار السوداني – السوداني وهذه لمحة سياسية ذكية مهمة إلى أن الحكومة لا تسعى إلى حلول مفروضة من الخارج، بل تدعو إلى توافق داخلي يعيد تشكيل العقد الاجتماعي على أسس من السلام والاستقرار بعيداً عن أي جهويات.
– الانحياز للمواطن فحين يتعهد رئيس الوزراء بالعمل من أجل معاش المواطن وتحقيق “الحياة الكريمة” فهذه لعمري غاية الغايات ، فإن الخطاب يلمّح إلى إدراكه لحجم المعاناة اليومية للناس، ويمنح أولوية لملف الخدمات والمعاشات والأمن الغذائي والسلم المجتمعي .
– الحياد السياسي حيث الالتزام بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع هو تعبير عن نية الحكومة ألا تتحول إلى طرف في الاستقطابات السياسية والتحيز إلى فئة دون الأخرى ، وهو موقف يحتاج إلى اختبارات عملية لإثبات صدقيته.
وبالمعنى السياسي والدستوري، فإن مضامين الخطاب تتماشى تماماً مع المهام الجوهرية لرئيس الوزراء في فترة ما بعد الحرب، حيث تشمل مهمته قيادة السلطة التنفيذية، وتنظيم الجهود لإعادة الإعمار مع إدارة الاقتصاد، وتوجيه العلاقات الداخلية والخارجية بحكمة بما يخدم المصلحة الوطنية.
غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في وضوح الرؤية، بل في قدرة الحكومة على تحويل هذه التوجهات إلى سياسات مرنة ، وأداء فعلي خاصة في ظل هشاشة البنية المؤسسية وضعف التمويل وتدهور الوضع الأمني.
ففي سياق “حرب الكرامة”، التي لا تزال مستعرة في بعض الولايات ، تبرز عدة معوقات تقف في طريق تنفيذ هذه الرؤية حري بنا أخذها في الاعتبار:
– انعدام الأمن والاستقرار يعوق أي خطة للإنتاج أو التصدير أو حتى الحوار المجتمعي.
– تدهور البنية التحتية نتيجة القصف والنزوح يجعل إعادة الإعمار مهمة تبدأ من الصفر في بعض المناطق.
– الانقسام السياسي والمجتمعي يفرض تحديات على مشروع الحوار الوطني، في ظل غياب الثقة بين الفاعلين.
– شح الموارد وانكماش الدعم الخارجي في ظل الانشغال الدولي بقضايا أخرى يفرض على الحكومة اعتمادًا أكبر على مواردها الذاتية.
فخطاب كامل إدريس يمكن اعتباره بياناً لنوايا إيجابية تحمل مؤشرات ومحاولة جادة في بناء مسار وطني جامع يتطلب الآتي في ما أرى :
– خطة تنفيذية واقعية تحدد الأولويات وتراعي الإمكانيات المتاحة.
– إشراك فعلي لكل الأطراف في عمليات السلام والإعمار، ولا تستثني أحداً .
– بناء الثقة المجتمعية من خلال قرارات محايدة تعكس عدالة الحكومة في توزيع الموارد والخدمات.
– الربط بين المسارين العسكري والمدني، بحيث يُستكمل الحسم الميداني بمشروع وطني جامع يعبر عن أهل السودان ..
ومربط الفرس ليس في ما قيل، بل في ما سيُنجز. وعلى الرغم من تعقيدات المشهد السوداني يظل الخطاب خطوة أولى نحو ما يمكن أن يُصبح لحظة تحول في مسار الدولة السودانية، إن توفرت الإرادة السياسية والتخطيط الرشيد بإذن الله تعالي.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.