✍د . محمد صالح الشيخابي.. *أنا رئيس وزرائكم الأعلى ما أريكم إلا ما أرى..!!*
✍د . محمد صالح الشيخابي..
*أنا رئيس وزرائكم الأعلى ما أريكم إلا ما أرى..!!*
جاي يحكمنا بي كتاب كتبو قبل ٨ سنوات ..!!!
ما تعاينوا لي كدا الزول دا قال برحب بي معارضينو ..أنا اوضحت أسباب معارضتي ليس لشخصه بل لتعيينه من الأساس في المقال السابق *(رئيس وزراء مُعلب)* و ها هو الآن يأتينا بخطة *( معلبة!!)* وجاهزة ..
فإلى المقال:
لم يكد يُعلَن عن تولي السيد رئيس الوزراء الجديد مهامه..حتى خرج أمام الكاميرات – بكل براءة – حاملاً بين يديه كتابين من تأليفه، وضعهما على الطاولة، معلنًا – بكل ثقة – أن أحدهما يمثل خطته لحكم البلاد، والآخر آلية تنفيذها. وكأنّ السودان بلد جامد، توقفت مشكلاته عند تاريخ صدور تلك الكتب، التي ألّفها قبل نحو ثماني سنوات!
إنّ ما يُثير الدهشة ليس فقط لجوءه إلى خطة جاهزة صيغت في سياق ماضٍ مختلف.بل طريقة التقديم المسرحية التي أضفت طابعًا استعراضيًا على خطاب يفترض أن يكون مدروسا ً ..واقعيًا.. ومتصلًا باللحظة الراهنة..لا بذاكرة الرفوف و الكتب…!
الحقيقة التي لا تحتمل المجاملة: إن وضع السودان يتغيّر كل ثمانية أيام.. وليس كل ثمانية أعوام !! فما بالك بخطة أُعدت في مناخ مغاير لعله لم يشهد هذا القدر من التشظي السياسي والانهيار الاقتصادي والتعقيد الاجتماعي.
إن كنا قد بدأنا المقال بهذا العنوان ذي العبارات الصادمة فلأنها ضرورية لتأطير موقفنا من الخطاب الافتتاحي المغرق في الأحلام للسيد رئيس الوزراء ..و كأن احلام و رؤى محمد هاشم الحكيم لا تكفينا !!! – وللغرابة – اعتبر كثيرون السيد رئيس الوزراء “ناجحا” لمجرد أنه سجَدَ على مدرج الطائرة وهتف بكلمات توافقية و اختتم خطابه ببضع عبارات بلغات أجنبية!!!!
إنّ المشكلة الأساسية في تقديري لا تتعلق بالنوايا ولا بالشعارات المرحبَة بالمعارضين.. حيث حيا الرجل معارضيه قبل مؤيديه و هذه إحدى النقاط الإيجابية الكثيرة في خطابه و لكن الأمور تؤخذ بالكفاءة والخبرة. فأنا – مع كامل الاحترام للرجل – لا أرى فيه المؤهلات الكافية لتولي منصب يتطلب دراية عميقة بدهاليز الدولة وتدرجا ً في المناصب التنفيذية و تاريخ سياسي محترم ونجاحات خارقة و مثبتة في إدارة الملفات المعقدة.
افتتح الرجل خطابه بعبارات مألوفة من قبيل: “سنعمل”، “سوف نفعل”، ثم ختمه بصورة ساذجة حين رفع كتابه مؤكدًا أنه يمثل خطته والثاني يمثل الآلية التنفيذية. وكأن الوطن مشروع تخرج لطالب جامعي أو مبادرة ثقافية لا تتأثر بالتحولات والوقائع !!!
يا سيدي رئيس الوزراء .. خطط البلدان لا تأتي في حقائب بل تُبنى في الميدان…!! اجلس مع خبراء الوزارات، إدخل كل وزارة عل حدة و لا تجلس مع الوزير و وكيل الوزارة و المدير العام فقط، بل اجلس مع مديري الإدارات، رؤساء الأقسام، وصغار الموظفين. إجلس مع الخفير و الصراف و المراقب المالي و أعرف كيف يتسرب مال الدولة .. إدخل مباني الولاية و المحافظة و المحلية و تعرّف على مواطن الخلل، واستعن بأصحاب المعرفة الحقيقية… شَكِّل لجنة خبراء حقيقيين.. وامنحهم الثقة الكاملة لتطوير الخطة.. بالحذف والإضافة، وفق مقتضيات الواقع المتغيّر…
جميل أن يكون لك خطة مسبقة و لكن لا تفترض انها هي المنقذ الوحيد .. !! لا نقول لك إرجع كتابك إلى حقيبتك و لكن إتركه مع الخبراء ليأخذوا زبدة خططك و يضيفوا و يحذفوا و يعدلوا ..ثم انزل ..نعم إنزل .. وافتح “كتاب الشارع”: إفتح دفتر ديون المواطن عند صاحب البقالة افتح كتاب و دفتر الطالب الذي لا يجد مقعدًا في المدرسة، وكتاب الطب الذي يتصفحه طبيب لا يرى أمامه مستقبلًا سوى السفر إلى الخليج، حيث الأجر هناك يساوي 130 ضعفا ً مما يُعرض عليه هنا.. قبل أن نعود لنسأل عن سبب نقص الكوادر، وضعف الخدمات، وانهيار الطرق.. و موت المعلم جوعا ً و فقرا ً واختفاء الحقن و الدربات و عن أسباب ضرب الطبيب في الحوادث ..!
إن مصدر اعتراضنا الجوهري على تعيين السيد كامل إدريس، لا يتعلق بشخصه بل بخبرته السياسية التي هي *((صفر))* تقريبا ً .. ومع ذلك ثمة من مدرسة سياسية تذهب إلى أن امتلاك القائد للرؤية الشاملة.. والقدرة الإدارية.. وحسن اختيار الفريق التنفيذي قد تعوّض هذا النقص.
وعليه، أتمنى – مخلصًا – أن أكون مخطئًا، وأن يُثبت لنا السيد كامل أنه يمتلك بالفعل ما يكفي ليقود هذا البلد المنهك نحو بر الأمان، مع التأكيد على أن خطابه، رغم تحفظاتنا، لم يخلُ من كثير ٍ الإشارات الإيجابية مثل العمل على خدمة المواطن و الوقوف على مسافة واحدة من الجميع و بسط القانون و غيرها من الإشارات الجيدة التي تنتظر الترجمة إلى أفعال.
خاتمة :
صدقني يا ياقوت العرش ..
لن تعرفنا .. مالم نعرفكا ..
و تجالسنا و نجالسكا ..
أدنى ما فينا قد يملكنا يا ياقوت ..
فكن الأدنى ..
تكن الأعلى فينا..
و …
و الغافل من ظن الأشياء هي الأشياء ..
د. محمد صالح الشيخابي
٤ يونيو 2025