منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

حكومة الأمل: *الفلسفة الجديدة للحكم في السودان* ✍️ د. الشاذلي عبد اللطيف

0

حكومة الأمل:
*الفلسفة الجديدة للحكم في السودان*

✍️ د. الشاذلي عبد اللطيف

20 يونيو 2025

في لحظة تتقاذف فيها الأمم بين شهوة السلطة وخواء الرؤية، وبين إرث الجراح وطموح البناء، أطلّ على السودان مشروع جديد لا يحمل فقط اسمًا سياسيًا، بل يحمل روحًا: “حكومة الأمل”.
أطلقها الدكتور كامل إدريس، لا كإدارة طارئة، بل كمحاولة فلسفية لإعادة تعريف معنى الدولة، وكرامة الحكم، وحدود السلطة.

لم يكن الاسم تزيينًا خطابياً، بل إشارة إلى أن ما يُراد بناؤه يتجاوز ترميم المأزق، إلى تخيل وطنٍ جديد. وطن لا يُدار بالمؤقت والعابر، بل يُخطط له بالعقل ويُحكم بالضمير.

حين يصبح الأمل فلسفة حكم

الأمل، في هذا السياق، ليس مشاعر تهدئة، بل موقف وجودي في مواجهة التمزق. أن نأمل، هو أن نرفض الاستسلام. أن نخطط، هو أن ننتصر على العشوائية. وأن نحكم بالأخلاق، هو أن نكسر إرث الاستبداد من جذوره.

وهكذا تفتح “حكومة الأمل” بابًا للسياسة لا بوصفها إدارة مصالح، بل بوصفها رعاية لقيمة الإنسان في هذا البلد الذي أنهكته الحسابات الصغيرة.

من الولاء إلى الكفاءة: انقلاب على المنطق القديم

لأول مرة، يُطرح في السودان سؤال: “من يحق له أن يحكم؟” فتأتي الإجابة مختلفة عن كل ما سبق: لا الطائفة، لا الحزب، لا الجهة، بل الكفاءة، والنزاهة، وروح الخدمة العامة.

بهذا المعنى، نحن أمام قطعٍ مع الميراث السلطوي الذي جعل الحكم امتيازًا يُمنح لا مسؤولية تُؤدى. نحن أمام ميلاد جديد لروح الجمهورية، تلك التي لا ترى في الدولة غنيمة، بل أمانة مشتركة.

الأخلاق بوصفها أصلًا في الشرعية

لا يستمد الحكم شرعيته من صناديق الاقتراع وحدها، بل من صدقه مع الناس، ومن عدله بين الأفراد، ومن طهارته في تدبير المال العام.
تلك هي رؤية حكومة الأمل: أن السياسة لا تُطهرها النصوص، بل الأخلاق. وأن محاربة الفساد ليست حملة، بل فلسفة تُعيد للوظيفة العامة قدسيتها.

> “إذا لم تكن الدولة أخلاقية، فهي بلا معنى”، هكذا لخّص رئيس الوزراء مسار الطريق.

من الدولة الغريزية إلى الدولة المفكرة

لقد ظلت الدولة السودانية في معظم تجاربها أسيرة ردود الأفعال، تتقاذفها الأزمات، وتُدار بمنطق اللحظة. أما حكومة الأمل، فتطرح نموذجًا جديدًا:
دولة تُخطط قبل أن تتحرك، تُؤسس مؤسسات تُفكر لا تستهلك، وتُجعل من المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي حجر الأساس في إدارة الإمكان، لا فقط إدارة العجز.

تفكيك الامتياز: العدالة الجغرافية مشروع أخلاقي

الحديث عن لا مركزية ليس تقسيمًا إداريًا فحسب، بل موقف إنساني.
حين تقول الحكومة “لا نهضة بدون الأطراف”، فإنها لا توزّع موارد فقط، بل تعيد الاعتبار للإنسان حيثما كان. العدالة الجغرافية هنا ليست ترفًا اقتصاديًا، بل ضرورة سياسية لإعادة تشكيل الوطن من الأطراف إلى المركز، لا العكس.

دعوة للكفاءات: نخبة جديدة من رحم المجتمع

حين دعا رئيس الوزراء أبناء السودان من الكفاءات المستقلة لتقديم سيرهم الذاتية، لم يكن ذلك طلبًا وظيفيًا، بل إعلانًا لفلسفة جديدة:
أن الحُكم ليس لمن يرث، بل لمن يستحق.
أن النُخبة ليست تلك التي تُفرض، بل تلك التي تُصنع بالقيم والمعرفة.

في هذه المبادرة، محاولة لإعادة تشكيل الطبقة الحاكمة من جذورها، وفق مبدأ الخدمة لا الامتياز، والعقل لا الولاء.

ملامح عقد سياسي جديد

ما تطرحه “حكومة الأمل” هو في جوهره عقد سياسي جديد، حتى إن لم يُكتب نصًا بعد.
عقد أطرافه: الدولة، المجتمع، الكفاءات، والأخلاق.
أسسه:

أن يكون الحكم أداة إنصاف لا وسيلة تسلّط،

أن تُبنى الشرعية على النزاهة لا المراوغة،

وأن يكون الولاء للوطن لا للمواقع.

التحديات: الطريق ليس مفروشًا بالنوايا

لكن الحقيقة تفرض تواضعًا: أن طريق الإصلاح لا تُعبّده النوايا وحدها.
ثمة مقاومة ستأتي من شبكات المصالح، ومن إرث الاستبداد الطويل، ومن هشاشة الاقتصاد، وربما من الشك المجتمعي المتراكم.

هنا فقط تتجلى أهمية البطانة: أن يُحاط القائد برجال دولة لا رجال مرحلة.

> ونحن ندعو من أعماقنا أن يُرزق رئيس الوزراء بطانة صالحة، صادقة، ناصحة، ترى الوطن لا المنافع، وتخشاه في السر كما في العلن.

دروس من العالم: الأمل ليس وهمًا

رواندا، بعد مجازرها، بُنيت من تحت الرماد بإرادة التخطيط والمصالحة. ألمانيا، بعد الحرب، أعادت بناء دولتها على أساس الفكرة والقيم لا فقط على الحطام. والسودان، رغم آلامه، لا ينقصه الذكاء ولا الرجال، بل فقط رؤية تجمع ولا تُقصي، وتُصلح لا تُجمّل.

خاتمة: من دولة الغنيمة إلى دولة الرسالة

لسنا أمام حكومة جديدة فقط، بل أمام بداية تحوّل في معنى السياسة ذاته.
من دولة تُخيف، إلى دولة تُنصف.
من سلطة تُراكم الغضب، إلى سلطة تُنبت المعنى.
من دولة بلا بوصلة، إلى دولة تجعل من الأمل فكرة حاكمة.

> وإذا نجح هذا المشروع، فسيكون البداية لا النهاية. بداية لأمة تعود إلى نفسها، لا عبر الصراع، بل عبر الفكرة.
تعود لتقول: “نحن لا نُصلح فقط ما فسد، بل نُعيد اكتشاف ما يمكن أن نكون عليه.”

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.