*الحراك الدبلوماسي السياسي في السودان ولقاء الداعمين: قراءة تحليلية في مسارات الحرب والسلام* بقلم: د. أحمد حسن الفادني
*الحراك الدبلوماسي السياسي في السودان ولقاء الداعمين: قراءة تحليلية في مسارات الحرب والسلام*
بقلم: د. أحمد حسن الفادني
يشهد السودان حراكا سياسيا متسارعا ينبأ بتغيرات لافتة في خريطة الصراع الداخلي وتفاعلاته الإقليمية. وفي ظل ذلك طالعنا بالأمس في بعض المواقع و الصحف الالكترونية الاخبارية ، بأن السيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان التقى بالمشير خليفة حفتر بقاهرة المعز تحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وايضا خير آخر مفادة اللتقاء مناوي مع مسؤولين امارتين بدولة تشاد وفي قلب هذا الحراك، تاتي الزيارتان مؤثرتان. فهذه اللقاءات لم تأتي من فراغ، بل تعكس تحولات حقيقية في ميزان القوى ومساعي خلف الكواليس لإعادة تموضع الفاعلين، بحثا عن مخرج من مستنقع الحرب الذي طال أمده ومن خلال ذلك سوف نستعرض في هذا المقال شيئ من التحليل الموضوعي لهذه اللقاءات عبر التالي:
أولا: لقاء البرهان وحفتر (بوابة أمنية لتفاهمات إقليمية):
يقرأ لقاء البرهان بحفتر في القاهرة كخطوة استباقية ضمن مساعي مصرية لإعادة ضبط أمن حدودها الجنوبية، ومنع تمدد الفوضى العابرة للحدود في المثلث( الليبي-السوداني-المصري)، إذا أن القاهرة التي طالما تعاملت مع السودان باعتباره عمقا استراتيجيا، تخشى من تنامي نشاط المليشيات والمرتزقة وتسلل السلاح، لذا وقفت القاهرة وقفات مشرفة اتجاه الأمن و الاستقرار السوداني قبل واثناء الحرب من خلال المنابر الدولية او المناداة بحل مشاكل السودان في العمق الداخلية وكان ذلك خيارا عقلانيا لاحتواء المخاطر الأمنية، فأما على الجانب الليبي، فإن لحفتر حضورا لوجستيا وعسكريا في الشرق الليبي قد استخدم، بحسب تقارير متقاطعة، كمسار دعم غير مباشر او مباشر لمليشيا الدعم السريع المتمردة، لقاء القيادات قد يكون إذا محاولة لضبط هذه المسارات، وكبح تدفق الدعم غير الرسمي، في ظل مساعي مصرية لتثبيت وضع سياسي يتيح لها لعب دور الوسيط الإقليمي الفاعل في تسوية سودانية محتملة.
ثانيا: مناوي والإمارات( تنسيق أم تفاوض؟):
لقاء مناوي بمسؤولين إماراتيين في تشاد يأتي في توقيت حرج ويطرح دلالات مركبة،فمن جهة يواصل مناوي تموضعه السياسي كلاعب غير مصادم، يسعى للعب دور في ترتيبات ما بعد الحرب، عبر قنوات إقليمية تضمن له مكانا على الطاولة، لا سيما في الإقليم الملتهب (دارفور). ومن جهة أخرى، تواجه ايضا الإمارات ضغوطا دولية متزايدة من أطراف غربية ، بسبب اتهامات متكررة بتورطها في دعم مليشيا الدعم السريع،مما يفهم من هذا اللقاء هو أن الإمارات بدأت تعيد تقييم أوراقها، وقد تستخدم قنوات غير مباشرة لإعادة التوازن السياسي في دارفور، سواء لضمان مصالحها في الذهب والمعابر والنفوذ، أو كمحاولة للظهور كفاعل تفاوضي، لا كداعم، وتشاد بدورها أصبحت منصة جغرافية حيوية لتحركات الفاعلين المحليين والإقليميين، خاصة في ظل هشاشة وضعها الأمني وصلتها المباشرة بملف دارفور، مما يجعلها ساحة لصياغة تفاهمات جزئية قد تتطور لاحقا إلى تسوية أوسع.
ثالثا: معادلة الدعم الإقليمي (توازنات لا بد منها):
– باتت المعادلة الإقليمية أكثر وضوحا: مصر تنطلق من منطلقات أمنيةللحافظ على التماسك الاستراتيجي في المنطقة وحريصة على استقرار الحدود وتأمين النيل، وتسعى إلى استعادة دورها التاريخي كضامن للاستقرار في إفريقيا و خصوصا لما لها من دور تاريخي قديم الازل.
– الإمارات المحاصرة باتهامات الدعم العسكري واللوجستي، تبدو بصدد مراجعة استراتيجيتها، وقد تنزاح من موقع الداعم الخفي إلى الوسيط الفاعل، خاصة في ظل تصاعد التكلفة السياسية لسياستها السابقة.
– تشاد الدولة الحبيسة التي تقع في قلب المعاناة الإنسانية والسياسية، تحاول موازنة علاقاتها بين أطراف الحرب ، وتهيئة نفسها كمنصة للسلام أو على الأقل كحاجز صد للفوضى العابرة للحدود خوفا على داخلها الملتهب.
رابعا: مؤشرات ما وراء الحراك:
ما يميز هذا الحراك الدبلوماسي السياسي الأخير أنه لا يكتفي بالإشارات الرمزية، بل يحمل مؤشرات واقعية على إمكانية ظهور مسار جديد، مختلف عن مسار جدة المتعثر، فهناك عدة اشياء وموضوعات نلخصها في الاتي:
– انفتاح إقليمي (مصري–تشادي) على مبادرة سلام تكتيكية، تبدأ بترتيبات ميدانية أو إنسانية.
– استعداد بعض الفصائل المسلحة – وفي مقدمتها مناوي – للدخول في تسويات مرنة، تضمن بقاءها في المعادلة السياسية القادمة.
– محاولة الجيش السوداني في تحريك الملف السياسي لإعادة التموضع، خصوصا مع النجاحات الميدانية الشاملة.
– وعي متزايد داخل مليشيا الدعم السريع بضرورة خلق واجهات سياسية تقلل الخسائر الميدانية وكسب ميادين سياسية جديدة، وتؤهلهم للجلوس على طاولة المفاوضات في ظل تآكل مشروعهم العسكري.
خامسا: السيناريوهات المحتملة:
– السيناريو الأول : تسوية شاملة وقف دائم للقتال، حكومة انتقالية جديدة انخراط شامل ودعم دولي جاد ضعيف على المدى القصير.
– هدنة إنسانية مؤقتة مع وقف إطلاق نار محدود لأغراض إنسانية وسياسية تنسيق إقليمي وتخفيف الضغوط متوسط وقابل للتفعيل.
– إعادة اصطفاف تحالفات جديدة تمهيدا للتفاوض بلقاءات تكتيكية في عدة عواصم.
– استمرار الحرب وتعثر المسارات التفاوضية وغياب الضغط ودعم خارجي للطرفين كل على مصالحه يلعب مع غياب التسوية في حال غياب المبادرات الواقعية
سادسا: نحو مقاربة سياساتية جديدة:
لم يعد مقبولا الانتظار حتى تنهك الحرب الجميع، بل على الفاعلين التحرك بوعي سياسي استباقي:
– على الحكومة السودانية العمل على تحصين موقفها بالتنسيق مع مصر وتشاد، وإطلاق مبادرة وطنية شاملة تعيد جمع الفرقاء الوطنيين وتحد من تدخلات الخارج.
– على مصر تبني دور الوسيط الحيادي، بالتعاون مع الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، والضغط باتجاه مسار سياسي جامع.
– على الإمارات الخروج من موقع الاتهام، والانخراط بجدية في تسوية تحفظ مصالحها دون زعزعة أمن السودان.
– على المجتمع الدولي تفعيل أدوات الضغط، وفرض حظر تسليح شامل، ودعم مسار تفاوضي واقعي يقوده فاعلون إقليميون مقبولون.
سابعا: سلام الضرورة أم إعادة تدوير الصراع؟
الحراك السياسي في السودان يقف على مفترق طرق حاسم. فإما أن تثمر هذه التحركات عن سلام الضرورة، القائم على توازنات مؤقتة وضغوط إنسانية، أو تتحول إلى إعادة تدوير للصراع تحت لافتات دبلوماسية، دون تغيير حقيقي في ميزان القوى.
وفي الختام نقول اصبح من الواضح اليوم أن الأطراف الخارجية – خاصة مصر والإمارات – لم تعد قادرة على البقاء في مربع الحياد أو الانحياز المستتر. أما الفاعلون المحليون، فهم في سباق مع الزمن لإعادة التموضع قبل أن تكتب فصول التسوية المقبلة، في غرف مغلقة بعيدة عن ميادين النار، وبالرغم من قتامة المشهد، فإن مؤشرات التحرك الإقليمي الأخير تفتح نافذة ضيقة – لكنها حقيقية – نحو تهدئة، قد تشكل نواة لتسوية أوسع، إذا ما وجدت الإرادة وتوافرت الرعاية الصادقة.
(لك الله يا بلادي)