نار ونور/ د. ربـيع عبـدالـعـاطـى عـبـيـد *بقاء الفكرة وذهاب السلطة*
نار ونور/
د. ربـيع عبـدالـعـاطـى عـبـيـد
*بقاء الفكرة وذهاب السلطة*
v تبقى الأفكار حية وإن مات أصحابها ، وما أجمل عبارات الشهيد سيد قطب عندما كتب قائلاً ((تبقى كلماتنا عرائس من الشمع ، حتى إذا متنا في سبيلها ، دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة)) .
v فالشهيد سيد قطب ،لم يُعين وزيراً في حكومة ،ولم يستمتع في دنياه بأبهة سلطانية ، أو بهرجٍ ملوكي ، لكنه كان كاتباً ومفكراً ، تمتلئ كلماته بالقوة والحياة مما جعلها خالدة تشكل ثقافة للأجيال المتعاقبة ، وتغذي نار الثورة في قلوب طلائع الزحف الإسلامي ، للقضاء على فورات الباطل ، ونزغات الشيطان مهما كان لها من الهيل والهيلمان .
v والكثيرون في زماننا هذا ، يتخيلون بأنَّ المناصب ، والجلوس على عروش الأمر والنَّهي ، يمكن أن تخلد لهم اسماءً ، وتضئ لهم سيرة ، لكنهم لايعلمون بأنَّ السلطة يمكن أن تنزع ، والأمارة قد تسقط ، وإن طال بأهلها الزمان ، والسعيد هو الذي يوجه ماأتاه الله من قوة في إتجاه بناء الأفكار ، وتعمير الوجدان ، فيكون الكسب متمثلاً في ذهاب المظهر ، وبقاء الجوهر ، لأن المظهر قد يعود إذا استقر المضمون ، ولا استقرار لزبدٍ رابٍ إذا كانت الفكرة طائشة ، والبهرج كان يمثل الغطاء اللامع لجيفة يتقزز من رؤيتها أولئك الذين لهم القدرة على رؤية ماوراء المناظر والأشكال .
v والفرق شاسع بين دولٍ قام عمادها على التفكير السديد ، والرأي القويم ، والتربية المركزة للكوادر والأتباع ، وبين دولٍ إعتمد منشؤها على مناصب توهب ، وسلطات توزَّع ، وقوة ماديه يكون مناطها كثافة الصياح ، والصراخ ، والجموح نحو الإستئثار بمراكز القوة ، والتحكم في مجريات الأمور .
v والدولة الإسلامية الأولى ، كانت قوتها ، نابعة من رسالتها ، وهي الرسالة التي صنعت القادة ، وليسوا هم القادة الذين سطع نجمهم بمعزلٍ عن تلك القيم والعقائد التي تجذرت في أعماق ذلك المجتمع الذي تجاوزت أصداؤه معظم المجتمعات التي عاشت على مدى كل فترات التاريخ .
v والفكرة التي نرنو إليها ، وندعو قادة هذه البلاد لترسم طريقها ، هي الكفيلة بخلود أسمائهم ، وتمجيد صفاتهم ، وأمامهما تتلاشى المناصب ، وزخرفها ، وتتضاءل السلطة وسطوتها، لأن الفكرة قابلة للإعمار ، وهي شموعٌ لا تخبو إضاءتها ،وأنوارٌ لايسقط شعاعها تحت الأقدام ، وإنما هو السطوع البعيد ، والنور الوضئ، الذي يظل هكذا ليهدي به الله من يشاء عبر إمتدادات الزمان وإختلافات المكان .
v وعندما ننهض بكل الذي أُوتيناه من قوة ، لبناء دولة ، وإعمار حياة ، والإضطلاع بمهة خلافة ، علينا ألا نضع بالاً لزخرفٍ نعول عليه ، أو لبهرجٍ يشغلنا عن لُبَّ فكري هو الضامن لدعم رسالة ، وحفر آثارٍ في المجتمع غير قابلة للمحو ، وإن ذهب عنها عنصر الحكم والسلطان .
v كما يجب أن ندرك بأن أنتصار الأفكار باقٍ ، أما إنتصار المزهوين بسلطتهم فهو إنتصار كالمستظل بشجرة للحظات ، وهو ينوي الوصول إلى محطة بعيدة لا يمكن إدراكها إلا بتحمل المشقة والوعثاء التي تتصف بها الأسفار ، والفكر هو زاد السفر إذا أراد الحكام في هذا الزمان أن يكتب لهم في سجلهم الخلود لما اتصفوا به من سمات ، وشيمٍ ، وأخلاق.