د.إدريس ليمان معقباً على حسنين: *حقاً بناء الوطن فرض عين .. وما أجملك يا حسنين ..!!*
د.إدريس ليمان معقباً على حسنين:
*حقاً بناء الوطن فرض عين .. وما أجملك يا حسنين ..!!*
كُنتُ قد عزمتُ أنْ أخلع عن كاهلى عبء الكتابة عن الوطن المقهور وأن آخذ مسافة مع الذات لعلى أستطيع قراءة الأحداث التى ظَلَّتْ تُغازِل قلمى وتستدرجه للكتابة من جديد وهو يستجيب حِينَاً ويتأبَّى حيناً آخر .. ولكِنَّ مقالاً إستثنائياً لرجل إستثنائى خُلقاً وأدباً وظُرفاً وذاكرة فوتوغرافية تؤهله لخلافة الراحل المقيم ( الرجل الضخم ) صاحب نسائم الليل .. تحت عنوان : *نحو وطنٍ نظيفٍ مُعافىً ..!!* أعادنى إلى دائرة *القَلَقْ* على هذا الوطن *القَلِقْ* على بنيه لأن كاتبه هو الأخ الحبيب حسنين مصطفى حسنين الذى إمتدت صُحبتنا لأربعون عاماً إلاَّ أربعاً إن لم أُخطئ فى الحساب ، ولأنه خَصَّ *المعيونة* بالخطاب فى مقاله الرائع .. والمعيونة كُنية الدفعة ٥٩ بكلية الشرطة والمعاهد عُرِفت بها بين أفرادها .. وإستوقفتنى جملة عبقرية والمقال كله يستحق الوقوف عنده : *وحين تستقيم النفس يستقيم الوطن ..!!* فكيف تكون الإستقامة ياصديقى والظُلم بكل أشكاله وقُبحه من أقوى المسكوت عنه فى بلادنا للدرجة التى يُصبِح فيها أمراً طبيعياً وجوهراً بَرَّاقاً للتنافس على ذُرى الجاه والصدارة ..!! فالمتأمل فى أحداث تأريخنا الحديث التى تُعد مصدراً ثَرَّاً وثَرِّيَاً لإستخلاص الدروس والعِبَر يجد أن له – أى التأريخ – نزوات مفرطة فى الشراسة والشراهة والطمع والظلم .. !! والناظر لتضاريس جغرافيا الموت ببلادنا يجد فيها ذات الحِدَّة والنتوءات الحادَّة والظلم ..!! فالمشفق على هذا الوطن العزيز يؤلمه ويوجعه أن يجد الظلم بكل أنواعه القبيحة هو القاسم المشترك الأعظم بين تأريخ السودان وجغرافيته ..!! فكيف تستقيم النفس وكيف يستقيم الوطن مع هذا العجز البَيِّن عن إستغلال كنوز أرضنا وخيراتها وتلك الأنهار التى تجرى من تحتها وعدم القدرة على التغلب على الأخطاء المُعيقة لتنمية هذا الإنسان المكدود المغلوب على أمره .. وهل هنالك ظُلمٌ أكثر من هذه *المَحَقَة* التى عُرِفنا بها ..!!؟
إنّ من نعم الله على هذا الوطن الحيِّي يا صديقى إنه يعرف متى يرفع صوته ومتى يُخفضه ومتى يرسم البسمة على وجهه ومتى يمسح دموعه .. لا يُعجزه ضعفه ولا يَتَّكِلُ على غيره لبناء فرص بقائه وإن رأى ظُلمات الوَدقَ وبَلَلِه .. !! فقد عاش مآسٍ ونكبات من لَدُنْ معركة النهر إلى معركة الكرامة وما بينهما .. سالت فيها الدماء وإنتشر فيها الموت ونزفت فيها الجراح وعَمَّت الأحزان القُرى والحَضَر ..!! ولقد أحسنت التوصيف يا صديقى فمعركة هذا الإنسان السودانى ليست مع من سلبه أمنه وداسَهُ بحذائه القذر فحسب ..!! ولا مع ذلك الخائن المعمعم والمكدمل الذى كان مؤتمناً على مؤسساتنا السيادية فخانها وخاننا فحسب ..!! بل معركة الشعب السودانى الذى أفاق من غفلته هى مع منظومتنا الأخلاقية والقِيَمية فى المقام الأول والتى بدأت فى الإختلال لإعادة نظم حَبَّاتها وخرزاتها التى تناثرت بغياب العدالة بكافة أشكالها ولأسبابٍ أخرى عديدة .. فالإنسان السودانى قبل عدة عقود ليس هو إنسان اليوم ، فقد حدث تغييراً حقيقياً فى الثقافة المجتمعية وفى الأخلاق كأنما هنالك عملاً ممنهجاً ومنظماً لطمس هويته وثقافته القائمة على التسامح والتعايش السلمى .. ولم يكن أهل السودان يوماً دُعاةً للحرب أو الفتنة بل دعاةٌ للسلام وأواصر المحبة والوئام وهذا أمرٌ لايحتاج إلى دليل إلاَّ إذا كان النهار يحتاج إلى دليل ..!! وتشهد لهم المهاجر بأنهم رسموا صورةً مُشرقة للإنسان السودانى القدوة كرماً وحياءً وتعففاً .. *فهم قد يأكلون لفرط الجوع أنفسهم لكنَّهم فى جِفَانِ الغير ما أكلوا ..!!*
ليس صعباً يا صديقى أن نمضى خِفافاً نحو وطنٍ نظيفٍ معافىً لنعيش فيه بسلامٍ ومحبة .. فاوروبا فعلتها من قبل بخطة مارشال التى نهضت بها بُعيد الحرب العالمية الثانية .. وكذلك فعل اليابانيون والألمان بتحررهما من ثقل الهزيمة للإنطلاق ببلديهما إلى أكبر الإقتصاديات المهيمنة على الأسواق العالمية بعد أن إستطاعت تلك الدول فى القضاء على الفساد ومحاربة المفسدين بنجاحٍ تام ..!!
إن أغلى درس تعلمه أهل السودان من هذه المحنة التى لم تحدث من قبل ولن تحدث من بعد بإذن الله تعالى .. وإن الذى يجعل من الشعوب قوة جبّارة وطاقة خلاّقة تسترخص الغالى والنفيس من أجل الوطن هو هذا الحب العميق .. فقد حولت تلك الإنتهاكات والجراحات بلادنا إلى محبوبة هيمنت على النفوس وطاقة إيجابية إستولت على العقل والعاطفة .
وما أجمل ما ختمت به مقالك : *النهوض من تحت الركام جهاد وبناء الوطن فرض عين ..!!*
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍ *لواء شرطة ( م ) :*
*د . إدريس عبدالله ليمان*
*الإثنين ٧ يوليو ٢٠٢٥م*