نزار العقيلي يكتب : *الجبهة المنسية في معركة الكرامة*
نزار العقيلي يكتب :
*الجبهة المنسية في معركة الكرامة*
عندما اندلعت الحرب في السودان لم يسلم منها حجر او بشر لكن ثمة شرائح تضررت بشكل مذدوج جسديا و إقتصادياً ، معنوياً و مادياً و من بينها شريحة أهل الدراما السودانية التي يمكن القول دون مبالغة إنها اكثر الفئات تضرراً رغم دورهم المحوري في تشكيل وعي المجتمع و حفظ هويته .
كتبت من قبل مقال بعنوان ( الحل في الدراما ) و وصفت الدراما السودانية بانها ليست مجرد فن للترفيه او ملء لساعات البث كما يعتقد بعض ساستنا الاغبياء بل هي وسيلة ناجعة لحل كثير من قضايا المجتمع السياسية و الإجتماعية بل و ربما اكثرها فاعلية و إستدامة فالدراما تعيد تشكيل السلوك و تحاكي الألم و تطرح الاسئلة التي يعجز السياسيون عن طرحها و تربي الاجيال على مفاهيم الأنتماء و التعايش و المواطنة و المحاسبة دون ان تطلق رصاصة واحدة .
لكن الحرب بكل قسوتها ضربت هذا القطاع الحيوي الذي كان يترنح اساساً قبل الحرب ، فقد اغلقت المسارح و تبعثرت الفرق الفنية و انقطع رزق الممثلين و المخرجين و الكتّاب و المصورين و حتى الفنيين الصغار الذين يعيشون على هامش الضوء خلف كواليس العمل الدرامي .
لقد تُرك اهل الدراما وحيدين في العراء بلا دعم و لا إلتفاتة من الدولة او حتى من المنظمات الثقافية و بدلاً من ان تستنفر طاقاتهم في توثيق الحرب و كشف بشاعة المليشيا و رسم ملامح العودة عبر اعمال فنية تم تهميشهم و إقصاءهم من المشهد العام .
أي حكومة تسعى لبناء سودان بعد ما الحرب يجب أن تضع الثقافة و الفن في قلب مشروعها الوطني لا على هامشه فالدراما ليست ترفاً بل هي أداة استراتيجية لمعالجة آثار التشوهات و إعادة صياغة العلاقة بين المواطن و الدولة .
لم انسى اهل الدراما في يوم من الايام فهم دائماً في عقلي و قلبي و لكني تذكرتهم اليوم عندما شاهدت مقطع فيديو للاستاذة الممثلة المبدعة جداً إخلاص نور الدين و هي تستضيف زملاءها بمنزلها على راسهم الممثل الجميل فضيل .
لو كنت رئيساً للوزراء في هذه الفترة الحرجة لقمت بإنشاء صندوق خاص لدعم اهل الدراما مالياً و معنوياً ممن تضرروا من الحرب و لقمت بتعيين وزير ثقافة من داخل الوسط الدرامي لان اهل الدراما ادرى بشعابها و يملكون الرؤية و الخيال و الحس الإجتماعي الذي يؤهلهم لإدارة هذا الملف بافق وطني لا بيروقراطي ، فنحن في حوجة ماسة لوزير يؤمن بأن الفن قضية لا مجرد حقيبة و كنت حينها سأختار الدكتور الممثل فيصل احمد سعد الشهير بـ( كبسور ) وزيراً للثقافة فالرجل ليس مجرد فنان بل دكتور مثقف يحمل في عقله ادوات التغيير و في تجربته ما يؤهله لهذا المقعد في هذا التوقيت المفصلي من تاريخ بلادنا .
كذلك كنت ساحرص ايضاً على دعم و تكريم الممثلة إخلاص نور الدين التي اختارت ان تصمد في وجه الحرب داخل السودان و آثرت البقاء وسط النار و قدمت دعمها المعنوي للقوات المسلحة من داخل اصعب منطقتين ( الحاج يوسف المايقوما ) و ( إيد الحد ) بالجموعية ، فإخلاص لم تمثل امام الكاميرا فقط بل مثلت قيم الشجاعة و الوطنية .
اذا اردنا وطناً و مجتمعاً معافى بعد هذه الحرب فلابد ان نعيد الاعتبار للدراما السودانية لا كمجرد مهنة بل كجبهة مقاومة و خط دفاع وطني و مختبر لاعادة بناء الانسان السوداني من الداخل فعدسات الكاميرات عندما نستخدمها باحترافية فانها تبني و ترمم .
نزار العقيلي