*الشهيد بيرم… حين صدق القسم فشهدت له السماء* بقلم د.إسماعيل الحكيم
*الشهيد بيرم… حين صدق القسم فشهدت له السماء*
بقلم د.إسماعيل الحكيم
*Elhakeem.1973@gmail.com*
إنّ حرب الكرامة السودانية ما زالت حبلى بكرامات الصادقين ووعود رب العالمين.. ففي ميادينها ارتفعت رايات الحق، وسكنت فيها أرواح الأبطال، وخُطّت فيها صفحات جديدة من تاريخ الشهادة في السودان، حمل توقيع شباب مؤمن من فيلق البراء، يقاتلون جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة والقوات الأخرى ضد مليشيا التمرد والخيانة.
“بيرم” إسم لكنه لم يكن اسماً عابراً في زحام الحرب، بل كان قَسماً حياً يمشي على الأرض ويقيناً راسخاً بموعود الله .
بث الشهيد بيرم فيديو ، قبل اندلاع معركة أم صميمة الأخيرة أطلّ فيه على العالم بأسره .. مذكرا وواعظا ولكن لمن ؟ كان فيديو بالغ التأثير، ليعلن – بلا تردد – قَسَماً ثلاثياً مغلظاً أمام الله والناس:
“أقسم بالله ثلاثاً متواليات بأنه شهيد … هذا آخر فيديو لي”
وهكذا كان. إذ سقط بيرم شهيداً في أول معركة بعد قسمه هذا ، مقبلًا غير مدبر، ثابتًا كالجبال، رابط الجأش، مبتسم الملامح، وكأن عينيه قد أبصرتا ما لا يُرى، وروحه اسرجت إلى الجنة لأن قلبه كان معلقاً بلقاء الله، لا بساحة الدنيا وزخرفها ..
فكيف أبرّ الله قسمك في لحظة صفاء عابرة، صادقة، على مرأى ومسمع من العالم؟ ما الذي كنت تحمله من يقين، ومن صدق نية، حتى بلغت هذه المنزلة، ورزقك الله الشهادة التي طلبت، وأكرمك بالخاتمة التي تمنيت؟
لم يكن قَسمك تهوراً أو رياءً ولم يكن فيديوك استعراضاً ومفاخرة. بل كان وثيقة إيمانية حيّة، كتبتها للتاريخ بمداد من دم، ووقّعتها السماء بتزكية الشهداء.
فيديوك أيها الشهيد الحي لم يكن وداعاً فردياً، بل كان درسًا مكتمل الأركان لهذا الجيل والأجيال القادمة.
كان صرخة صدق في زمن كثرت فيه الوجوه المتلونة.
كان تذكرة لأمةٍ أنهكتها الفتن ومزقتها الجهويات واضعفتها الحزبيات ، كان نداءً بأن الشرف لا يُشترى، وأن الرجولة ليست صوتاً مرتفعاً، بل موقف ثبات وإيفاء وعد .
بيرم وإخوانه هم أولئك الذين نفروا خفافاً وثقالاً حين نادى منادي الجهاد، لم يسألوا عن رتبة أو مقابل، بل مضوا لأنهم رأوا في القتال لله كرامة، وفي الموت لأجل الوطن حياة.
في وقت يتصارع فيه البعض على السلطة والكراسي، فكان هؤلاء الشباب يختارون الخنادق لا الفنادق ، والبنادق لا الخطابات، والآخرة لا الدنيا.
كانوا – بحق – أهل بدر هذا العصر، الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم، لا يريدون جزاءً ولا شكوراً، بل أرادوا أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تبقى أرض السودان طاهرة من رجس المليشيا والعمالة والانكسار.
لم يكن استشهادك بيرم حدثًا عاديًا، بل كان نقطة ضوء في زمن الخنوع والميوعة، وصرخة صدق وسط الزيف والضلال ، وتربية ميدانية لأمة فقدت قدوتها.
علمتنا أن هناك من لا يزال يثبت عند الفتن، ويصدق في المحنة، ويختار المبدأ على السلامة، والعقيدة على الحياة.
لقد أعدتم للأمة معنى العزة، ومعنى التضحية، ومعنى أن يكون الإنسان عبدًا لله لا عبداً لشهوة أو سلطة.
إن موعدكم – بإذن الله – ليس القصور ولا المناصب، بل جنة عرضها السموات والأرض، فيها النعيم المقيم، وفيها الشهداء على سرر متقابلين.
تقبّل الله جهادكم، ورفع ذكركم، وكتب شهادتكم في سجل الخالدين.