منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

شرف الدين محمد الحسن يكتب : *راديو جدي .. و ساعة بنتي* 

0

شرف الدين محمد الحسن يكتب :

*راديو جدي .. و ساعة بنتي*

شرف

(( الراديو الجبته لي دا، طلع فصيح فصاحة مبالغة ، يجيب الدنيا كلها من هنا امدرمان لحدي هنا لندن، أي زول شافه قال لي دا راديو ما زي الروادي العادية… ))

العبارة أعلاه، هي أكثر عبارة افتخر بها ، ولطالما اسعدتني وظل صداها في أذني يتردد كلما استدعيت من الماضي شيئاً جميلا ،،
وقائل هذه العبارة هو جدي حاج محمد – رحمه الله.
ففي مطلع التسعينات جمعت قريشات من عرق جبيني لأول عمل منظم أشتغله، فقد كنت حريصاً أن أشتري هدية لجدي ، و كنت أحمّل نفسي دوماً ديناً عليها واجب السداد تجاه جدي، فمازالت هديته لي عندما كنت في الثامنة من عمري – وكنت وقتها شغوفاً بالرسومات والألوان ولم تكن الدنيا ذات سعة كما هي الان ، فالألوان كانت في زمننا شيء نادر، بل حتى الألعاب التي نعلب بها كأطفال، كنا نصنعها بأنفسنا من بقايا الورق ومغلفات المنتجات الغذائية – ناداني جدي وأعطاني علبة ألوان شمع صغيرة من خمسة ألوان على طول الإصبع الصغير ، وقال لي ( قالوا بتفتش فيها) ،،
كدت أطير فرحاً بهذه الألوان الجميلة ،،
ورغم أن أخي الأصغر أعتبرها حلوى و ( مضغ ثلاثة منها) – إلا أن الهدية في حد ذاتها كانت حلم رائع قد تحقق ،،،
وبمناسبة مضغ الأطفال في زمننا للبلاستيك وما شابهه ، فلا تستغربوا من ذلك، فقد كنا نمضغ حتى تلك الطبقة السوداء التي توجد في مقدمة أحجار البطارية من الداخل ( كنا نسميها السرينجي ) ، وكنا نظن أنها لبانة ( علكة) ،،

لذلك ما أن حصلت على أول مبلغ من كسبي حتى اشتريت راديو صغير على حجم اليد،، وأذكر أنه كان راديو مستعمل حتى يوازي سعره ما ادخره من مال، ،

جئت بالراديو لجدي في أول اجازة اسافر فيها البلد ، وأهديته له ،،
ففرح به فرحاً شديدا، رغم انني كنت أشعر بضآلة القيمة وصغر الراديو ،،
وبعد أيام قابلته ، فقال لي العبارة أعلاه وهو يشعر بالفخر والتعجب من الراديو الصغير ،، قالها كذلك و أنا أعلم أنه كان يمتلك راديو كبير يعتبر من أقدم الأجهزة في البلد..

اليوم،اليوم فقط شعرت بالشعور الذي شعر به جدي زمان عندما حدثني بتلك العبارة ،،

فاليوم أهدتني إبنتي ساعة يد،،

لم يكن يهمني قيمتها أو أنها ساعة ذكية او سويسرية أم صينية ،، بل كنت أشعر أن الزمن الان،، الان فقط أصبح له قيمة، وأصبح دقيقاً ، وأن عقارب هذه الساعة تلامس نبضات القلب وهي تنبض كما وصفها الشاعر أحمد شوقي حين قال :
دقات قلب المرء قائلة له – إن الحياة دقائق وثواني.

والحقيقة أن هذه الدقائق والثواني يطول قدرها عندما تعيش فيها إحساس رائع بالتواصل الاسري والعطاء الصادق وطيب المعشر وعمق المحبة ،،
ادامها الله علينا ،،

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.