منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*تفريغ الخرطوم من السلاح.. فرض السيادة واستعادة الدولة 1_2* د. ياسر محجو ب الحسين

0

*تفريغ الخرطوم من السلاح.. فرض السيادة واستعادة الدولة 1_2*

د. ياسر محجو ب الحسين

في ظل السيولة الأمنية التي يعيشها السودان بسبب تداعيات الحرب ضد مليشيا الدعم السريع المتمردة، أصدر رئيس مجلس السيادة في السودان وقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان قرارا بتفريغ العاصمة الخرطوم من المظاهر المسلحة. ومن المؤكد أن القرار لم يعد مجرد مطلب أو طموح، بل ضرورة وطنية ملحّة في مسار استعادة هيبة الدولة وإعادة بناء مؤسساتها. ولابد أن يصدر هذا القرار من موقع امتلاك زمام المبادرة، خصوصا بعدما أثبت الجيش السوداني قدرته على مواجهة مليشيا الدعم السريع التي كانت الأكثر تجهيزا وتسليحا، وتحظى بدعم خارجي، وتتمدد في مفاصل الدولة بأكثر من 120 ألف مقاتل وباغتت الجيش بهجومها في 15 ابريل/ نيسان 2023. نجاح الجيش في التصدي لهذا الخصم عالي التنظيم والتسليح يعيد التأكيد على قدرته على فرض قراراته الاستراتيجية، وفي مقدمتها إعادة تنظيم المشهد الأمني داخل المدن. وأمام هذا المشهد، تصبح المقارنة بين مليشيا الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى غير واقعية؛ فهذه الأخيرة ما زالت تُبدي التزاماً بالاتفاق السياسي الذي وقّعته في جوبا، وتقر بمركزية الدولة وضرورة دمج قواتها في الجيش الوطني.
لا تنبع أهمية انتصارات الجيش السوداني فقط من قدرته على كسر شوكة أخطر المليشيات في تاريخ الدولة، بل من التحولات الجيوسياسية التي أفرزتها على المستويين الإقليمي والدولي. ففي مقال تحليلي نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل، أشار الصحفي البريطاني المتخصص في الشأن الإفريقي، جافين سيركين، إلى أن “الواقع الجديد” في السودان، بعد انتصارات الجيش في الخرطوم وود مدني ومناطق من دارفور، قد أربك حسابات العواصم الكبرى، وعلى رأسها واشنطن وتل أبيب. ونوّه سيركين إلى أن موازين القوى انقلبت جذريا لصالح الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، مما دفع قوى دولية مثل دول الترويكا لإعادة النظر في استراتيجيتها، والبحث عن تسوية “تُرضي الجيش السوداني”، بعدما بات واضحا أن أي مشروع سياسي لا يحظى بموافقته لا يمكن فرضه على أرض الواقع.
هذه المعطيات تُمكّن الجيش السوداني من التحرك داخليا بثقة أكبر لفرض قرارات استراتيجية مثل تفريغ المدن من السلاح، ليس فقط كضرورة أمنية، بل كإعلان عن استعادة زمام المبادرة على كافة المستويات.
إذن، فإن قرار تفريغ المدن لا يُقرأ كرهان محفوف بالمخاطر، بل كمحطة منطقية وممكنة في مشروع إعادة بناء الدولة، تسانده قوة عسكرية على الأرض، وتدفع نحوه ضرورات الأمن والاستقرار، لا سيما في ظل إجماع متنامٍ على أن الدولة وحدها يجب أن تحتكر السلاح وتعيد ضبط التشكيلات العسكرية ضمن الأطر النظامية.
ولا يمكن النظر إلى هذا القرار بمعزل عن السياق السياسي والأمني الأوسع؛ فوجود السلاح خارج المنظومة الرسمية لا يهدد العاصمة وحدها، بل يهدد وحدة الدولة ذاتها. إن تفريغ المدن من المليشيات المسلحة ليس إجراءا تقنياً، بل فعل سيادي يعكس قدرة الدولة على حصر القوة في يد واحدة. كما أنه ضرورة لحماية العملية السياسية ذاتها، إذ لا يمكن تصور انتقال مدني أو ديمقراطي في ظل تعدد القوى المسلحة داخل الحواضر.
الجيش السوداني، بعد أكثر من عام من الحرب، أثبت أنه الجهة الوحيدة التي تملك القدرة على فرض الاستقرار الميداني. فهو لم يكتفِ بالصمود، بل استطاع أن ينتقل من الدفاع إلى الهجوم، وأن يحرر مدنا رئيسية، ويكسر النفوذ العسكري لمليشيا لدعم السريع في مناطق عدة. هذه التجربة العملية تمنح القرار الجديد مصداقية أكبر، وتؤسس لمرحلة يكون فيها تفكيك المظاهر المسلحة جزءاً من سياق استراتيجي شامل لإعادة هندسة الدولة.
الحركات المسلحة من الشراكة إلى النفوذ:
حين وُقّع اتفاق جوبا للسلام في 2020، رُوّج له باعتباره بداية جديدة للسلام وبناء الشراكة بين المركز والهامش. لكن ما حدث لاحقا أظهر انحرافا في المسار؛ فقد تحولت بعض الحركات المسلحة إلى مراكز نفوذ تسعى للمحاصصة لا لبناء الدولة، واحتفظت ببنيتها العسكرية دون أن تُقدم على خطوات جدية لنزع السلاح أو إعادة الهيكلة. في بداية الحرب تغيّبت هذه الحركات، وتذرعت بالحياد، ثم عادت وانحازت للجيش لاحقا، عدا بعض القيادات منها الآخر اختار الاصطفاف إلى جانب مليشيا الدعم السريع، أو تبنى مواقف رمادية مرتبكة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.