*الاقتصاد الصناعي السوداني بين الماضي والحاضر والمستقبل* بقلم : د. احمد حسن الفادني.
*الاقتصاد الصناعي السوداني بين الماضي والحاضر والمستقبل*
بقلم : د. احمد حسن الفادني.
يعتبر الاقتصاد السوداني من الاقتصاديات التي تعاني من تشوه هيكلي على كافة قطاعته و شهد تدهور ملحوظا على كافة الحقب الزمانية و السياسية، وقد تكون الاسباب معروفة لدى علماء الاقتصاد و مبهمة لدى بعض الاكاديميون بالرغم انهم شخصوا كافة قطاعته وهو وصلوا الى طريق شبه مسدود و من اهم هذه القطاعات القطاع الصناعي موضوع هذا المثال حيث يعد القطاع الصناعي في السودان أحد الركائز الاستراتيجية التي يمكن أن ترفع الناتج المحلي الإجمالي، وتدعم الاكتفاء الذاتي، وتحسن الميزان التجاري عبر احلال الواردات وزيادة الصادرات ذات القيمة المضافة. ورغم الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها السودان في الموارد الطبيعية، والطاقة، والأراضي، والموارد البشرية، إلا أن الصناعة لم تصل بعد إلى مستوى يجعلها محركا رئيسيا للاقتصاد. ويعود ذلك إلى تداخل العوامل التاريخية، والسياسية، والتشريعية، والبنية التحتية، وضعف التكامل المؤسسي والتي يمكن ذكرها في الاتي:
أولاً قراءة تاريخية من الماضي إلى الحاضر:
1. الماضي ،من الاستقلال حتى مطلع التسعينيات:
– البدايات الواعدة: في فترة الستينيات والسبعينيات، شهد السودان نهضة صناعية نسبية، خاصة في الصناعات التحويلية مثل النسيج، الزيوت، السكر، والأسمنت، بدعم من استثمارات حكومية وشراكات مع القطاع الخاص.
– تأثير السياسات الاقتصادية: الاعتماد على الدولة كممول رئيسي للمصانع أدى إلى ضعف القطاع الخاص الصناعي. كما أن سياسات الاستيراد والانفتاح غير المدروس في الثمانينيات أضعفت القدرة التنافسية للصناعات المحلية.
– ضعف البنية التحتية: غياب شبكات نقل حديثة وكهرباء مستقرة شكل عائقا مستدام أمام التوسع الصناعي.
2. الحاضر ،من التسعينيات حتى 2024:
– العولمة والتحولات الاقتصادية: تم فتح السوق السوداني أمام الواردات دون حماية كافية للصناعة المحلية، مما أدى إلى تراجع قطاعات كالنسيج والأحذية والزيوت.
– العقوبات الدولية: أثرت بشكل مباشر على القدرة على استيراد المعدات والتكنولوجيا، وحدت من التمويل الخارجي للمشروعات الصناعية.
– تحديات الحرب والنزاعات: منذ 2023، تعرضت كثير من المنشات الصناعية في الخرطوم ومناطق الإنتاج الرئيسية للتدمير أو التوقف، مما عمق فجوة الإنتاج.
– ضعف التنسيق المؤسسي: وجود تشريعات صناعية مركزية وأخرى ولائية أوجد تعارضا في الصلاحيات، وأربك المستثمرين.
ثانيا: التحديات الأساسية للقطاع الصناعي
1. البنية التحتية: انقطاعات الكهرباء، تدهور الطرق والموانئ، وغياب المدن الصناعية المجهزة.
2. التشريعات المتعارضة: تداخل القوانين بين المستوى الاتحادي والولائي يخلق بيئة غير مستقرة للاستثمار.
3. ضعف التمويل الصناعي: غياب قروض ميسرة، واعتماد على تمويل قصير الأجل لا يلائم طبيعة الاستثمارات الصناعية.
4. غياب سلاسل القيمة المضافة: الاعتماد على تصدير المواد الخام دون تصنيعها محليا.
5. قصور في البحث والتطوير: غياب مراكز أبحاث صناعية متخصصة تدعم الابتكار وتحسين الجودة.
6. التأثيرات الأمنية والسياسية: عدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة يعرقلان جذب الاستثمار الصناعي المحلي والأجنبي.
ثالثا: الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية للنهوض بالقطاع الصناعي
1. الإطار التشريعي والمؤسسي:
– توحيد التشريعات الصناعية على المستوى القومي، وإلغاء أو دمج القوانين الولائية التي تتقاطع مع القوانين الاتحادية.
– إنشاء صندوق استثماري للصناعة يضم ممثلين من الوزارات، القطاع الخاص، والولايات لتنسيق الخطط الصناعية و الاستثمار ويضم بداخله محافظ استثمارية متخصصة.
2. تحديث السياسات الصناعية:
– اعتماد سياسة إحلال الواردات في السلع التي يمكن إنتاجها محليا، مع حماية رقابية مرحلية تضم المؤسسات الحكومية الرقابة مثل ( الجمارك ، الأمن الاقتصادي، المعابر ، الضرائب…وغيرها)
– وضع استراتيجية تصنيع قائمة على الميزة النسبية لكل ولاية حسب الانتاج و المكونات و المقومات الصناعية و الانتاجية من خلال المدن الصناعية المتخصصة او المختلطة.
3. البنية التحتية والتمويل:
– إنشاء مدن صناعية متكاملة بالقرب من مناطق الإنتاج الزراعي والمعدني، مرتبطة بموانئ وطرق رئيسية.
– تخصيص صناديق تمويل صناعي بفوائد منخفضة وفترات سداد طويلة، بالتعاون مع البنوك التنموية الإقليمية والدولية.
4. تعزيز الابتكار والتقنيات:
– إنشاء مراكز أبحاث وتطوير صناعي مرتبطة بالجامعات.
– تشجيع نقل التكنولوجيا عبر شراكات مع شركات أجنبية، مع تدريب كوادر سودانية متخصصة.
5. الانفتاح الاستثماري:
– جذب الاستثمار الأجنبي المباشر عبر حوافز ضريبية وجمركية للمشروعات الصناعية الكبرى وتشجيع الاستثمار الداخلي بالدخول في شركات مباشرة او غير مباشرة مع الاستثمارات الاجنبية.
– تبسيط وتسهيل إجراءات الاستثمار وإصدار التراخيص عبر نافذة موحدة إلكترونية.
رابعا: مقترحات حلول عملية للتحديات الحالية والمستقبلية:
1. انقطاع الكهرباء: يمكن توفير محطات طاقة متنقلة للصناعات الكبرى مع إنشاء محطات طاقة متجددة (شمسية ، رياح) خاصة بالمناطق الصناعية
2. تضارب التشريعات: و يتمثل الحل في تجميد التشريعات الولائية المتعارضة صياغة قانون صناعي قومي موحد
3. ضعف التمويل: ويمكن حلها بانسدشاء صندوق استثماري سيادي يساعد باعطاء الضمانات مقابل التمويل طويل الاجل او الشراكات الاستراتيجية او إطلاق برنامج تمويل صناعي عاجل إنشاء بنك صناعي تنموي متخصص
4. ضعف سلاسل القيمة: ويمكن حلها عبر تشجيع التصنيع المحلي للمواد الخام بناء صناعات تحويلية متكاملة مرتبطة بالزراعة والتعدين
وفي الختام يمكننا القول بإن مستقبل الاقتصاد الصناعي السوداني مرهون بقدرة الدولة والقطاع الخاص على العمل برؤية استراتيجية متكاملة، تبدأ بتحديث البنية التشريعية والمؤسسية، مرورا بتحسين البنية التحتية، وصولا إلى ربط الصناعة بسلاسل القيمة العالمية. هذه الرؤية تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، واستثمار في رأس المال البشري، وانفتاح ذكي على العالم، حتى يصبح السودان ليس فقط منتجا للمواد الخام، بل مركزا صناعيا إقليميا مزدهرا.
(بالادارة والارادة نتخطى الزمن)