وهج الفكرة انس الماحي *الخرطوم تتحرك علي المسرح الدبلوماسي بحيوية وفاعلية غير مسبوقة*
وهج الفكرة
انس الماحي
*الخرطوم تتحرك علي المسرح الدبلوماسي بحيوية وفاعلية غير مسبوقة*

تكتسب مشاركة رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس على رأس وفد السودان في اجتماعات الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة أهمية سياسية ودبلوماسية استثنائية، ليس فقط لكونها أول حضور رفيع للحكومة السودانية منذ اندلاع الحرب الداخلية في أبريل 2023، بل لأنها تعني اعترافًا ضمنيًا من المجتمع الدولي بشرعية هذه الحكومة وتمثيلها الرسمي للدولة السودانية.
هذا الظهور على منصة الأمم المتحدة يضع حدًا لأي محاولات لتشويه صورة الدولة أو تقديم بدائل سياسية موازية، ويؤكد أن العالم يميز بوضوح بين جيش وطني وحكومة قائمة من جهة وميليشيات مسلحة خارجة على القانون مما يعد في خانة الاعتراف الدولي الذي يبدد أوهام التمرد.
أرادت ميليشيا الدعم السريع، منذ بداية تمردها، الترويج لفكرة “حكومة موازية” قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي وكسب التعاطف الخارجي. غير أن استقبال الأمم المتحدة لرئيس الوزراء السوداني ووفده، وإتاحة منابر رسمية له، يكشف أن تلك المحاولات تبخرت أمام موقف دولي يساند الدولة السودانية الشرعية.
إن جلوس السودان على مقاعد الاجتماعات الأممية رفيعة المستوى، من مجموعة الـ77 والصين إلى منظمة التعاون الإسلامي، يمثل صفعة سياسية للمتمردين ورسالة واضحة بأن المجتمع الدولي لن يمنح شرعية لقوة متمردة تستخدم السلاح لتقويض الدولة.
لم يقتصر نشاط الوفد السوداني على إلقاء بيان رسمي أمام الجمعية العامة، بل شمل سلسلة لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف مع قادة دوليين ووزراء خارجية من مختلف القارات: من الجزائر وجنوب السودان إلى النرويج ولاتفيا. هذه اللقاءات تعكس عودة الخرطوم لاعبًا نشطًا في الدبلوماسية الإقليمية والدولية، وتفتح قنوات دعم سياسي واقتصادي وإنساني.
وفي اجتماع رئيس الوزراء السوداني مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي، برزت رسالة أفريقية حاسمة؛ فالسودان طلب دعمًا مباشرًا لرفع تعليق عضويته في الاتحاد الأفريقي، وهو مطلب يرمز إلى استعادة موقعه الطبيعي داخل المنظومة القارية، وإلى تكاتف أفريقي لمواجهة آثار الحرب والحفاظ على استقرار الإقليم.
اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية السوداني مع مسؤولي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المفوض السامي لشؤون اللاجئين والمدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، أوضحت أن المجتمع الدولي بات يرى بجلاء الفرق بين حكومة تحاول إنقاذ شعبها، وميليشيا تتعمد تدمير البنية التحتية وقتل المدنيين. هذه الرسالة تعزز عزل المتمردين دبلوماسيًا، حيث تتراجع المنابر التي كانت توفر لهم غطاءً سياسيًا أو دعمًا إعلاميًا.
إن مشاركة السودان في هذه الفعاليات الأممية لا تمثل مجرد نشاط بروتوكولي، بل هي خطوة استراتيجية لإعادة بناء العلاقات الخارجية بعد سنوات من العزلة والتأثر بالحرب الداخلية. فالحكومة السودانية تدرك أن استعادة مكانة السودان في المجتمع الدولي شرط أساسي لجذب الاستثمارات، ودعم مشروعات التنمية المستدامة، وفتح آفاق التعاون في مجالات الطاقة والتحول الرقمي، وهي محاور ناقشها الوفد السوداني مع الشركاء الدوليين.
يبدو واضحًا أن الخرطوم تتحرك على المسرح الدبلوماسي بحيوية وفاعلية غير مسبوقة، في مقابل تقلص هوامش الحركة أمام الميليشيات المسلحة. فالمجتمع الدولي، من خلال فتح الأبواب أمام الحكومة الشرعية وإغلاقها أمام أي محاولات انقلابية، يبعث برسالة حازمة : الشرعية الدستورية هي الممثل الوحيد للسودان .وأن أي دعم أو اعتراف بكيانات متمردة مرفوض.
