أفكار د. أمين حسن عمر : *المشروع الحضاري الإسلامي*
أفكار
د. أمين حسن عمر :
*المشروع الحضاري الإسلامي*
وعبارة المشروع الإسلامي الحضاري التي ترددت كثيراً لدى الحركات الإسلامية. مرجعها إلى
أن المسعى الرئيس للحركات الإسلامية المعاصرة هو إحياء الإسلام وتجديده ليقود الحياة إلى الرقي المادي والثقافي والروحي والأخلاقي. كما أن وقوع البلاد الإسلامية تحت هيمنة الدول الغربية التي سعت بقوة إلى فرض أنموذجها الحضاري المادي والأخلاقي على مستعمراتها سبب آخر من أسباب المجانبة للحضارة الغربية.
وطرح المشروع الحضاري الإسلامي جاء بديلاً لحالة الاستسلام للهيمنة الاستعمارية الحضارية الغربية.
ولكن الإسلاميين من لدن الأفغاني إلى يومنا هذا أدركوا أن المعرفة بالإسلام التي ورثوها عن عصر الانحطاط لا يمكن لها أن تكون نداً في المواجهة مع الهيمنة الحضارية الغربية.
ولذلك فإن أول مطلوبات إحياء الأنموذج الحضاري الإسلامي هو تجديد الفكر لتتجدّد الحياة به. وتجديد الفكر من لدن الأفغاني ومحمد عبده والسنهوري كان يعني تجديد الفهم للشريعة الإسلامية. والسنهوري في كتاب (الخلافة) الذي نشره في العام 1922 تحدث عن التجديد الحضاري، فيقول إن النهضة الحضارية في العالم الإسلامي تستوجب النهضة بالشريعة الإسلامية، وجعلها مطابقة لروح العصر وتطوير اللغة العربية بوصفها وسيلة التواصل بين شعوب الأمة.
كما تحدث عن إحياء العلوم والمعارف، وتطوير الاقتصاد وإحياء الرابطة بين الشعوب الإسلامية.
وما أوما إليه السنهوري منذ ما يقارب القرن من الزمان لا يزال هو الأمر المطلوب لإنجاز المشروع الحضاري الإسلامي. فلا يزال المشروع الإسلامي هو مشروع تحرُّر وتطوُّر واتحاد.
ونقصد بالتحرّر الاستقلال عن كل هيمنة سوى الإرادة الذاتية للفرد والأمة. فلا يجب أن تخضع الأمة لإرادة خارجية مستعلية لكي تحصل على منفعة زائلة أو متعة عابرة. وكذلك الإنسان الفرد يتوجب أن يستعلي بإرادته عن الخضوع لغرائزه أو
الاستخذاء لسواه لرغبة جامحة أو حاجة عاجلة.
ذلك أن كل ارتقاء هو ثمرة الجهد والكد والكدح. فما
يفلح المرء يكون كلاً على سواه، ولا تفلح الأمة تكون خاضعة وتابعة لغيرها من الأمم.
والمشروع الحضاري الإسلامي هو مشروع تجديد وابتكار وتطوّر. وهو بهذا المعنى مشروع إنماء فكري وإنساني. فمثلما أن المرء لا يعد عالماً إذا اكتفى بالحفظ عن معلمه وبتقليده دونما مساءلة أو تفكُّر أو تأمل أو إنشاء جديد، فإن الأمة لن تكون متحضِّرة متطوِّرة متقدِّمة إذا اكتفت برصيدها الحضاري الذي سوف يتآكله الزمن ويبليه، فلا تكون
حضارة الأمس إلا أثراً بعد عين.
فلئن كانت الأجيال الماضية جعلت حضورها محسوساً في التاريخ، بما تركت من آثار نهضة العلوم والفنون والعمارة، فإن أجيال اليوم لا بد لها من الاستفادة من ذلك التراث، ومن علوم الحاضر وتجاربه للارتقاء إلى مراتب رفيعة تحقّق لها الظهور بين الأمم.
والمشروع الإسلامي إذأ ليس مشروعاً لتطبيق شريعة موروثة، بل هو مشروع الإستمداد من ذات مصادر تلك الشريعة لإحياء معانيها في النفوس وملاءمة هداياتها للأزمان والأحوال. ولذلك فإن العبارة الدقيقة ليست هي تطبيق الشريعة وكأنها تطبيق جاهز ، بل العبارة الصحيحة هي تحكيم الشريعة، لأن مفهوم أحكام الشريعة سيتفاوت حكماً
بالنظر للحال والمآل.
د.أمين حسن عمر
عن كتاب الإسلاميون والدولة