منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*انْظُر الى صورهم: “الهاراب – أي العرب” في منطقة دوبروجيا الرومانية، هل أصلهم من السودان؟*   ترجمة: د. عصام محجوب الماحي بوخارست رومانيا 

0

*انْظُر الى صورهم: “الهاراب – أي العرب” في منطقة دوبروجيا الرومانية، هل أصلهم من السودان؟*

ترجمة: د. عصام محجوب الماحي

بوخارست رومانيا

 

حياة ومصير “الهاراب – أي العرب” في منطقة دوبروجيا الرومانية، حقيقة وليس حكايات خرافية. ففي السهول الواقعة بين نهر الدانوب والبحر الاسود، حيث تهُبّ الرياح الجافة بقصصٍ منسيّة من عصور أخرى، استقر أناس بمظهر مختلف ومصائر غير معروفة: هاراب أو عرب دوبروجيا. ذوو بشرة داكنة، قادمون من أجزاء بعيدة من الإمبراطورية العثمانية، استقرّوا هنا في القرن التاسع عشر، كانوا يعيشون في بضع قُرى معزولة، واليوم اختفوا تمامًا أو استوعبتهم حقائق العصر الحديث.
يرتبط وصولهم إلى دوبروجيا بقرار من السُلطات العثمانية، التي في عام 1834، وبأمرٍ من باشا سيليسترا، حسن باشا، جرى تسكين مجموعة من الجنود العرب السابقين في جنوب المنطقة. كانوا رجالًا مُسرّحين من الخدمة العسكرية، بعضهم ذو جذور في سوريا العثمانية، والبعض الآخر قادم من أسلاف أفارقة اعتنقوا الإسلام في منطقة البحر الأحمر وأُرسلوا لخدمة السلطان.
وفقًا لنظرية عالم الأنثروبولوجيا يوجين بيتارد، دلّت سِماتهم على تأثيرات جنوب الصحراء الكبرى، من وجوه داكنة وقوة بدنية وطول قامة، مِمّا ميّزهم بوضوح عن بقية السكان الشرقيين.

أطلق عليهم الرومانيون اسم “الهارابيين”، وهو مصطلح مُشتق من الكلمة التركية “هاراب”، ولكنه في العقل الجمعي الروماني كان يُعادِل “الرجل الأسود” أو “العربي ذو البشرة الداكنة”.
في عام 1850، ورد رسميًا في السجلات العثمانية ذكر 145 عربيًا استقرّوا في دوبروجيا، لكن الأرقام غير الرسمية تشير إلى زيادة سريعة في عددهم في العقود التالية.
كانت قرية “دوكوز آغاتش”، التي تعني “الأشجار التسع” باللغة التركية، أشهر مستوطنة لهم. سُميت لاحقًا “ماقورا”، وهي اليوم جزء من بلدية “تشيركيزو” في هضبة “نيقرو فودا”.
حول هذه القرية كانت تقع أربع مستوطنات عربية دوبروجية أخرى، لمْ تُحفظ أسماؤها بدِقّة، لكن الجغرافي الفرنسي غيوم لوجان سجلها عام 1861، باعتبارها “مناطق ريفية عربية مزدهرة في أوروبا”. كانت هذه حقيقة نادرة، ففي أوروبا كلها آنذاك، لمْ تكُنْ في غير دوبروجيا قُرى يسكنها العرب حصريًا.
في هذه المستوطنات، اهتمّ “الهرابييون” بالزراعة في ظِلِّ ظروف الجفاف القاسية، مُتقنين العمل في التربة القاحِلة، وهي مهارة ورثوها من موطنهم الشرقي، كما قاموا بتربية الماشية، وفي واقِعة فريدة في التاريخ المحلي، اعتنوا بتربية الجِمال ثنائية السنام (Camelus bactrianus)، التي جُلبت من آسيا الوسطى عبر شبكات التجارة العثمانية.
استُخدِمت الجِمال لنقل البضائع على الطرق بين نهر الدانوب ومجيديا والبحر الأسود. ويُقال إن العرب كانوا الوحيدين الذين عرفوا كيفية التعامل معها وإطعامها وتهدئتها. كانوا مشاركين بها في القوافِل والاسواق وفي الرحلات الطويلة عبر السهول.
من المؤشرات الأخرى على الوجود العربي الراسِخ في المنطقة، نجد “الطابية العربية”، أي “الحُصن العربي”، جنوب أوستروف. هذا الموقع الاستراتيجي، الذي احتلّه الدوروبانتس الرومانيين خلال حرب الاستقلال عامي 1877 و1878، يدلّ على أنّ العرب لَمْ يكونوا مزارعين ومربي ماشية فحسب، بل كانوا أيضًا مدافعين عن الحدود العثمانية.

بعد عام 1878، عندما أصبحت دوبروجيا جزءً من مملكة رومانيا، تغير مصير هذه المجتمعات جذريًا. فبعد فقدان دعم السلطات العثمانية ومواجهة نظام إداري واجتماعي جديد، هاجر العديد من “الهارابيين” إلى الأناضول أو مناطق أخرى من الإمبراطورية السابقة. أمّا من بقوا، فقد اختلطوا تدريجيًا بالسكان الأتراك التتار المسلمين، واندمجوا ثقافيًا ولغويًا.
في بداية القرن العشرين، وفقًا للباحث بيتارد، لَمْ يكُنْ هناك سوى 14 عربيًا مُعلنًا في دوبروجيا، جميعهم رجال. ومنذ ذلك الحين، فُقِد أثرهم.
ولا تزال قرية ماقورا قائمة حتى اليوم، لكن هويتها العربية اندثرت تقريبًا. أمّا القُرى الأربع الأخرى، فقد اختفت تمامًا، جراء هجرها، وغطتها الأرض، وضاعت أسماؤها. ومع ذلك، بقيت ذكرى “الهارابيين” في المخيلة الشعبية: يظهر الهارابي، أو ينطق الأرابي وبالأصح العربي، في الحكايات الخرافية الرومانية كشخصية غامِضة، غالبًا ما تتمتّع بقوى غير عادية، تارة مُخيفة، وتارة مُخْلِصة ووفيّة. وفي الترانيم والأساطير، يحرس “العربي ذو الجعبة النارية” الأسرار أو يكون حارسا للبوابة الفاصلة بين العالمين.

لذلك، لَمْ يكُنْ “الهارابيين” مُجرد فضول عِرقي في دوبروجيا، بل جزءً من التاريخ المتعدِّد الثقافات والمُعقّد لهذه المنطقة. جاؤوا بأسلحتهم وعاداتهم ومهاراتهم التي جلبوها من الأراضي الحارة، وعاشوا هنا فلاحين ومُربي حيوانات وحُرّاس حدود. استقبلتهم دوبروجيا، بطبيعتها المُرحِّبة والمُتنوِّعة، وحافظت عليهم على طريقتها الخاصة، ليس في المتاحِف، بل في الحكايات.
اليوم، رُبّما لا يزال صدى لغة أجنبية، وخطوات الإبل الثقيلة، وتاريخًا صامتًا، هو ما يتردّد صداه مع الرياح التي تهبّ عبر تلال ماقورا. لكن مَن ينصُت بصبر، لا يزال يسمع شيئًا من تلك الحياة الضائعة، بين نهر الدانوب والبحر الاسود.
؛؛؛…؛؛؛
المقال أعلاه، الذي ترجمته من اللغة الرومانية ومصدره (صوت دوبروجيا) ومنشور في صفحة “الفنون السبعة” بمنصة فيسبوك، أرسله لي بروفيسور جورجي جريجوري أستاذ اللغة العربية وعميد مركز الدراسات العربية بكلية الآداب واللغات الأجنبية بجامعة بوخارست، وكنت أيضاً قد تلقيته من أحد الأصدقاء منشوراً في صفحة باسم (صوت بيستريتسا) بتطبيق فيسبوك.
جرى بيني والصديق العزيز المُستعرِب بروفيسور جورجي الحوار التالي:
– عصام: أحد الأصدقاء قال لي انه قرأ بأن “الهارابيين” ربما كانوا من السودان!
* بروف جورجي: كانوا من سيناء، وهم من أصل أفريقي. لديهم ملامح أفريقية وكانوا يعيشون في سيناء. هكذا تقول الوثائق. أحضرهم العثمانيون. كانوا عبيدًا في الإمبراطورية العثمانية. لا يزال الكثير منهم في إستنبول منذ العصر العثماني. تحدثتُ إلى بعضهم. ما زالوا مهمّشين في المجتمع التركي.
– عصام: الأفارقة جُلِبوا لسيناء من السودان. العثمانيون كانوا يطلقون على السودان “ارض الرجال والذهب”.
* بروف جورجي: ذهبتُ إلى قرية ماقورا والقرى المجاورة لها في منطقة دوبروجيا للبحث عن الهارابيين – العرب. غادروا إلى تركيا أو اختلطوا بأتراك دوبروجيا وخاصةً بالخوركانة، وآخرهم توفي عام 1933. في شبابي، كدارِس للغة العربية، بحثتُ عن رسائلهم أو ما شابه لأعرِف اللهجة العربية التي كانوا يتحدثونها. للأسف، كانوا أميين، ولَمْ يتركوا أي أثر مكتوب. هذا جانب لَمْ يُبحث وله أهمية هائلة للعرب، لأنه بناءً على تلك القُرى العربية، كان يُمكِن اعتبار الجالية العربية في رومانيا أقلية عرقية رومانية. ولكي تُعتبر أقلية، يجب إثبات وجود مجتمعات قبل الحرب العالمية الثانية.
عصام محجوب
بوخارست- رومانيا
الاربعاء، 8 اكتوبر 2025
؛؛؛…؛؛؛

https://www.facebook.com/share/16jXJs7vko/

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.