خبر وتحليل: عمار العركي *دمبلاب.. قليل الحيلة والأقطان طويلة التيلة*
خبر وتحليل: عمار العركي
*دمبلاب.. قليل الحيلة والأقطان طويلة التيلة*
_______________________
• بعد غياب طويل عن المشهد العام، عاد الفريق أبوبكر دمبلاب — المدير الأسبق لجهاز المخابرات العامة — إلى دائرة الضوء، لكن هذه المرة من بوابة الاقتصاد، بعد تعيينه مديرًا عامًا لشركة الأقطان السودانية.
• العودة في حد ذاتها ليست خبرًا عابرًا، فالشركة التي تقف عند مفترق الأزمات والصراعات القديمة والمتوارثة — خاصة في عهد سلطة “قحت” الظلامية — ليست ساحة سهلة ولا مؤسسة عادية.
• لكن الأهم من ذلك أن الرجل نفسه لا يأتي إلى مقعده الجديد خالي السيرة أو التجربة، فقد أدار واحدًا من أكثر الأجهزة حساسية وتعقيدًا في تاريخ البلاد، في لحظة مفصلية كان فيها جهاز الأمن هدفًا رئيسًا لسهام الشيطنة والاستهداف والإضعاف.
• غير أن دمبلاب، الذي عُرف بالهدوء والانضباط العسكري الصارم، لم يستطع مواجهة تلك العاصفة الهوجاء، فكان في عهده إصدار أخطر قرار في تاريخ الجهاز: حلّ هيئة العمليات عقب تمردها، والتي كانت إحدى صمامات الأمن الفاعلة. ثم رفع الحصانة عن منسوبي الجهاز الذين وُجّهت إليهم الاتهامات بقتل المتظاهرين، والتي ثبت لاحقًا عدم صحتها وفبركتها، وأجاز كشوفات الإحالة العشوائية التي أقرتها لجنة إزالة التمكين، وطالت خيرة ضباط الجهاز تحت ذريعة “إزالة التمكين”، فضلًا عن تقليص صلاحيات الجهاز وتحويله إلى مجرد جهاز لجمع المعلومات ورفعها للجهات العليا.
• رغم كل هذا، لم يرضَ عن ذلك نائب رئيس المجلس السيادي آنذاك، المتمرد الحالي محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فراح يهاجم دمبلاب علنًا من منبر مفاوضات جوبا، موجهًا إليه إهانات وعبارات قاسية على مرأى ومسمع الجميع، قبل أن يتم إعفاؤه.
• ومنذ تلك اللحظة، غاب دمبلاب عن الأضواء، حتى عاد اليوم إلى موقع مختلف تمامًا، في مؤسسة لا تقلّ تعقيدًا عن جهاز الأمن، بل أكثر تشابكًا بالمصالح والملفات المالية والسياسية.
• على النقيض، تمكن المدير الحالي، الفريق أول المفضل، من إعادة الجهاز إلى سيرته الأولى، في ظل حرب غير تقليدية، مواجهاً عواصف عاتية متعددة، وعاملاً على إعادة الصياغة، والترميم، والتأسيس، والتصدي، والمواجهة في توقيت وزمن واحد، بما أعاد للجهاز فعاليته وقدرته الاستراتيجية.
• لكن المفارقة هنا أن شركة الأقطان لا تحتاج إلى حراسة أمنية، بقدر ما تحتاج إلى عقل اقتصادي استراتيجي يُدير لا يُدار، ويصنع المبادرات لا ينتظر التوجيهات.
• والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن لعقل أمني إداري متوجس أن ينجح في ميدان اقتصادي يتطلب الجرأة والمغامرة والتخطيط البعيد؟
*_خـلاصـة الـقـول ومنتهــاه_*
• دمبلاب قد يكون رجل الهدوء والانضباط، لكنه ليس بالضرورة رجل المبادرة والحيلة. ولعل المقولة تنطبق عليه اليوم أكثر من أي وقت مضى: ” قليل الحيلة، في زمنٍ لا يرحم إلا أصحاب الحيلة”.
• فبعد أن عجز عن مواجهة عاصفة حلّ هيئة العمليات وما تبعها من قرارات قصمت ظهر الجهاز، يعود اليوم لمواجهة عواصف أخرى لا تقلّ قسوة، ولكن في ميدان مختلف؛ ميدان الاقتصاد والإدارة.
• أما شركة الأقطان، فهي طويلة التيلة، تحتاج إلى عقل اقتصادي طويل النفس، يعرف متى يزرع ومتى يقطف، لا إلى عقل إداري متوجس يخشى المغامرة ويحتكم إلى التحفظ. فالإدارة، شأنها شأن الزراعة، لا تحصد إلا ما تزرع.
• ويبقى السؤال: هل ينجح دمبلاب في أن ينسج بخيوط القطن ما فشل في حفظه بخيوط الأمن؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة… وإن كانت المقدمات لا تبشر بحصادٍ وفير.