*ولاية الجزيرة تقود التحول الرقمي : في طريق الدولة الحديثة* بقلم د. إسماعيل الحكيم
*ولاية الجزيرة تقود التحول الرقمي : في طريق الدولة الحديثة*
بقلم د. إسماعيل الحكيم

_Elhakeem.1973@gmail.com_
وجّه والي ولاية الجزيرة مؤسسات حكومته بعدم التعامل المالي بالكاش في أي من المعاملات الرسمية، والاكتفاء بالوسائل الإلكترونية في السداد والتحصيل في خطوة جريئة تعكس وعياً إدارياً متقدماً ورؤية اقتصادية رشيدة،
قرارٌ قد يبدو إجرائياً في ظاهره، لكنه في جوهره يمثل تحوّلاً استراتيجياً نحو رقمنة الدولة وضبط المال العام، كما أنه يعبّر عن إرادة سياسية واضحة لتجفيف منابع الفساد وتعزيز الشفافية.
فلقد أثبتت التجارب الإقليمية والدولية أن التحول الرقمي في المعاملات المالية والإدارية هو أحد أهم أدوات الإصلاح المؤسسي والحوكمة الرشيدة. فكل عملية مالية تمر عبر النظام الإلكتروني تُصبح قابلة للتتبع والمراجعة، مما يقلل فرص التلاعب، ويُغلق منافذ الهدر والفساد، ويُعيد الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. إلى جانب ذلك، تسهم الرقمنة في زيادة الإيرادات عبر توسيع مظلة التحصيل وتسهيل السداد، كما تحفظ حقوق الأفراد والمؤسسات، وتُقلل من الجهد والوقت والتكاليف الإدارية. إنها ببساطة، إدارة ذكية للموارد العامة تُعيد الانضباط للنظام المالي وتضع الدولة في مسار العصر الرقمي.
إن قرار ولاية الجزيرة يمكن اعتباره نموذجاً عملياً للحوكمة الرقمية التي تتطلع إليها البلاد في مرحلة إعادة البناء. فهو لا يقتصر على معالجة إشكالات الكاش أو الفساد، بل يؤسس لثقافة مؤسسية جديدة، قوامها الشفافية، والدقة، والمساءلة.
إن الرقمنة لم تعد فرعاً تقنياً، بل ضرورة وطنية ملحّة وأصل لا غني عنه . فالدول التي سبقت في هذا المسار حققت قفزات نوعية في إدارة مواردها، وفي تعزيز ثقة مواطنيها بأجهزتها، وفي جذب الاستثمارات التي تبحث عن بيئة مستقرة وشفافة.
ومن هنا، تأتي أهمية أن تُعمم التجربة لتشمل كل ولايات السودان، وأن تتبناها الحكومة المركزية كخيار استراتيجي لا رجعة عنه، عبر بناء بنية تحتية رقمية قوية، وتشريعات داعمة، وتدريب الكوادر على التعامل مع الأنظمة الحديثة.
فالتحول الرقمي ليس مجرد تغيير في أدوات العمل، بل إصلاح جذري في فلسفة الإدارة العامة، وانتقال من ثقافة “المعاملة الورقية” إلى ثقافة “البيانات الدقيقة والأنظمة الذكية”.
فالتحية تُرفع لولاية الجزيرة، والياً وحكومة تنفيذية، على هذا القرار الواعي والشجاع، الذي يضعها في مقدمة الركب الوطني نحو الدولة الرقمية الحديثة. ولعلها تكون البداية التي تدفع كل مؤسسات الدولة إلى أن تحذو حذوها، لتتحول الرقمنة من مبادرة محلية إلى خيار استراتيجي شامل يضع السودان على خريطة الدول المتقدمة في إدارة المال العام وحوكمة الأداء.
