*أمـاني عثمـان… والانتظار الطويل* عمــار العركـي
*أمـاني عثمـان… والانتظار الطويل*
عمــار العركـي

يبدو أن الثنائي أماني الطويل وعثمان ميرغني قد عادا إلى الواجهة مجددًا، متحدين في النغمة ذاتها، والهدف ذاته، وإن اختلفت أدوات التعبير. كلاهما يمارس التحليل الرغائبي لا الواقعي، ويتقمص دور “المبشّر” بسلامٍ قادم على مقاس طموحاتهما، لا على مقاس تضحيات السودانيين.
من يتأمل ما يكتبه الاثنان في الأسابيع الأخيرة، يلحظ تناغمًا لافتًا في الخطاب، وترتيبًا في العناوين، وإيقاعًا واحدًا يدور حول فكرة مركزية: الانتظار. ينتظران أن تتوقف الحرب، لا لأنها أنهكت الشعب أو دمّرت الوطن، بل لأن توقفها قد يفتح الباب أمام عودة “المشروع القديم” الذي لم يغادر خيالهما — مشروع إعادة تدوير الوجوه التي لفظها الشارع، وتلميع الخونة الذين فرّوا عند أول رصاصة.
لقد آثرنا طويلاً الصمت عن تحليلاتهما الرغائبية، لا عجزًا عن الرد ولا تقليلًا من شأن ما يقولان، بل لإدراكنا أن الأمر لم يعد يتعلق بالفكر أو بالتحليل أو بمنطق الإقناع والاقتناع. فخطابهما تجاوز حدود الرأي إلى التوظيف السياسي البارد، حيث تغيب الإنسانية لتحضر المصلحة، ويُختزل الوطن في مقايضاتٍ وتحالفاتٍ خارجية.
لكن مجازر الفاشر الأخيرة كسرت جدار الصمت. تلك المجازر التي حرّكت الحجارة والجبال قبل أن تحرك ضمائر البشر، إلا هذا الثنائي!
قلوبهما كالحجارة أو أشد قسوة، وعقولُهما وأقلامُهما تستثمر وتقتات من دماء الأبرياء في الفاشر.
بل أكثر من ذلك — يستثمران دماء الفاشر في سوق التحليل لمن يرغب… تحليل بلا ضمير.
تواصل أماني الطويل تقديم نفسها كصوتٍ خبيرٍ بالشأن السوداني، لكنها في الحقيقة تُعيد إنتاج خطاب التسعينات المصري القديم الذي ينظر إلى السودان كـ”ملف”، لا كدولة ذات إرادة وسيادة.
أما عثمان ميرغني، فيكتب كما لو أنه يعيش في فقاعةٍ زمنية، يرفض الاعتراف بتحوّل الواقع السياسي والميداني، ويصرّ على انتظار تفاوض البرهان مع من خانوا الميدان وأشعلوا الحرب.
ما يجمع بين أماني وعثمان ليس الحياد ولا الحصافة التحليلية، بل التماثل في الدور: أدواتٌ لتلميع “حلٍّ مستورد” يُراد فرضه على السودان من الخارج، بمباركة أصوات داخلية فقدت صلتها بالواقع. إنه تحالف التحليل الرغائبي الذي يرفض الاعتراف بأن السودان تغيّر، وأن وعي شعبه تجاوز مرحلة الوصاية الفكرية والسياسية.
ولعل أكثر ما يفضح هذا التناغم هو تزامن نبراتهما: حين تتحدث أماني عن “الحوار القادم”، يكتب عثمان عن “ضرورة الحل السياسي”. وحين تلمّح هي إلى “تفاهمات القاهرة”، يلمّح هو إلى “اتصالات خلف الكواليس”. لكن الحقيقة أن لا تفاهمات، ولا اتصالات، إلا في خيالهم وخيال من يقف خلفهم.
إن ما تمارسه أماني من القاهرة، وما يردده عثمان من الخرطوم، ليس تحليلًا، بل تسويقٌ سياسيٌّ لأمنياتٍ خائبة. ينتظران نهاية الحرب على طريقة انتظار غودو، ينتظران مفاوضاتٍ لا وجود لها، وعودةً لن تحدث. لأن السودان ببساطة تجاوز تلك المرحلة، وماضٍ بثباتٍ نحو حسم مشروعه الوطني والسيادي بعيدًا عن الأوهام الخارجية والارتباطات المشبوهة.
إنه الانتظار الطويل… انتظار الخيبة القادمة، لمن رهنوا وعيهم وولاءهم لمشاريع الآخرين.
