*خلفيات ودلالات التوجّه الأميركي لتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية* .بقلم د. إسماعيل الحكيم..
*خلفيات ودلالات التوجّه الأميركي لتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية*
.بقلم د. إسماعيل الحكيم..

_Elhakeem.1973@gmail.com_
عاد اسم جماعة الإخوان المسلمين إلى واجهة المشهد الدولي في لحظة سياسية تتسم بتقلّبات حادّة في ميزان القوة العالمي وذلك مع توجيه الإدارة الأميركية –في عهد الرئيس دونالد ترامب– بمراجعة إمكانية تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية. ورغم أن القرار لم يصدر بصورة نهائية حتى الآن ، وما صدر كان توجيهاً بالمراجعة. وهذا يعد إشارة سياسية ثقيلة الدلالة، تستحق قراءة أعمق في مقاصدها، وظلالها، وما قد تخلقه من نتائج معاكسة تمامًا لما يريده أصحابها.
فماذا أراد ترامب؟ ترامب، السياسي الذي لا يخفي رهانه على التحالفات الصلبة مع أنظمة الشرق الأوسط المتوجسة من الحركات الإسلامية، أراد بهذا التوجّه إرسال ثلاث رسائل متزامنة:
1. طمأنة الحلفاء الإقليميين الذين يرون في الإخوان تهديدًا مباشرًا لبقائهم السياسي.
2. مغازلة التيار اليميني الأميركي الذي يصطف ضد كل جماعة ذات خلفية دينية سياسية.
3. استخدام الملف كورقة ضغط في لحظة كانت واشنطن تعيد فيها ترتيب خرائط النفوذ في المنطقة.
إذن لم يكن التوجّه مبنيًّا على دراسة أمنية بقدر ما كان قرارًا سياسيًا بامتياز، يستثمر في لحظة توتر عالمي حول الإسلام السياسي، أكثر مما يستند إلى أدلة تُدين الجماعة بحمل السلاح أو تنفيذ عمليات مسلحة على الأراضي الأميركية.
وسؤال مهم هل كانت المراجعة تهديدًا حقيقيًا للجماعة؟
المراجعة، بطبيعتها، ليست حكمًا بالإدانة بل استدعاءٌ لملفٍ كبير إلى طاولة الفحص السياسي. ومع ذلك، فقد أدركت الجماعة أن مجرد فتح هذا الباب قد يشكّل تهديدًا مزدوجًا:
– تهديدًا بالوصم الذي قد يؤثر على مؤسساتها العاملة في الغرب.
– وتهديدًا للبيئة التي تتحرك فيها في عدد من الدول التي تواكب إشارات واشنطن بدقة.
لكنّ القراءة الأعمق تكشف أن المراجعة نفسها حملت في جوفها مفارقة كبرى: فالإدارة الأميركية وجدت نفسها أمام شبكة واسعة من التنظيمات والمؤسسات تمتد عبر عشرات الدول، تعمل في العلن، ولها نشاط اجتماعي وتعليمي وإغاثي موثق. أي أن القرار، لو صدر، كان سيحدث ارتباكًا قانونيًا وسياسيًا ينعكس سلبًا على واشنطن نفسها.
فكيف استقبلت الجماعة هذا التوجّه؟
كان رد فعل الإخوان هادئًا في الشكل، متماسكًا في المضمون. فقد تجنبت الجماعة التصعيد، وفضّلت خطابًا عقلانيًا يركز على:
– تاريخها الممتد في العمل الدعوي والمدني والسلمي.
– تعاملها مع الأنظمة الغربية على أساس الشراكة المجتمعية لا المواجهة.
– التأكيد على عدم وجود أي نشاط عسكري أو عملياتي خارج البلدان التي تتعرض فيها للحصار أو القمع.
هذا الخطاب لم يكن دفاعيًا عن الجماعة فحسب، إنما كان محاولة محسوبة لترك الباب مفتوحًا أمام القنوات الرسمية في واشنطن، وإظهار أن الجماعة أكبر من أن تُختزل في توصيف أمني ضيق.
أما خصوم الجماعة –من دول وتنظيمات إعلامية وشخصيات سياسية– تلقفوا الخبر بفرح ظاهر، وكأن القرار قد صدر بالفعل.
فالمعاداة التاريخية للإخوان جعلت مجرد إعلان “المراجعة” انتصارًا رمزيًا.
وقد تحركت هذه الأطراف على منابرها لتضخيم الخطوة، والإيحاء بأن نهايات كبرى تنتظر الجماعة، وهو ما لم يتحقق.
لكن هذا الحماس كان أقرب إلى رغبة سياسية منه إلى قراءة واقعية. فالمشهد الدولي لا يُدار بالانفعالات، والقرار–إذا اتخذ– كان سيهز توازنات إقليمية ويضع واشنطن نفسها في مواجهة أسئلة قانونية بلا إجابات.
فإن ّالقراءة المتأنية تشير إلى أن مجرد التلويح بالتصنيف، وليس القرار نفسه، كان من شأنه أن:
– يدفع الجماعة إلى إعادة ترتيب صفوفها داخليًا وخارجيًا.
– يوحّد خطابها حول مظلومية مشتركة.
– يعيد خلق شعور داخلي بالتهديد الخارجي، وهذا غالبًا ما يُنتج تماسكًا أكبر.
– يعمّق حضورها في البيئات الشعبية التي ترى أن استهدافها هو استهداف للفكرة الإسلامية ذاتها.
وهذا وغيره ما يجعل بعض المراقبين يجزمون بأن كل محاولة لحصار الإخوان في الغرب كانت دائمًا تنتج تعاطفًا أوسع وتمنح الجماعة فرصة لإعادة تعريف نفسها.
وتشير الدلالات أن الأزمة أبعد من جماعة الإخوان.
إنها لحظة مواجهة بين الدين كحقيقة اجتماعية كبرى وبين محاولات إنكار دوره أو تهميشه تحت ذرائع الأمن والسياسة. فالعالم، الذي يحتضن ملايين المسلمين، بات أمام خيارين لا ثالث لهما:
1. الاعتراف بالدين كجزء أصيل من التركيبة الاجتماعية والسياسية، ومنح المنتمين إليه حقوقهم الطبيعية.
2. أو الدوران في حلقة الطواف حول الخوف من الإسلام، وما يولده ذلك من توترات وصدامات لا تنتهي.
وما بين الخيارين، تقف جماعة الإخوان –بحكم امتدادها التاريخي وانتشارها الدولي– في قلب النقاش العالمي حول مستقبل الإسلام السياسي، وحقوق المسلمين، وحدود الدولة الحديثة في التعامل مع الدين.
إن توجّه ترامب لم يكن مجرد خطوة أمنية، بل محاولة لتشكيل المشهد السياسي في المنطقة.
لكنّ الخطوات السياسية لا تصنع دائمًا النتائج المتوقعة. فالجماعة التي أُريد لها أن تُحاصَر قد تجد في هذا الضغط وقودًا لوحدة جديدة ودفعة نحو إعادة تنظيم نفسها واستعادة خطابها العالمي.
ولعلّ القادم سيُظهر أن العالم مقبل على مرحلة يُعاد فيها تعريف العلاقة بين الدين والسياسة، وبين الفرد ودولته، وبين الغرب والشرق.. مرحلة سيكون فيها الإسلام –بتياراته المختلفة– في قلب الحوار، لا في هامشه. بإذن الله تعالى..
