البُعد الآخر د. مصعب بريــر *رحيل “كروان الرمال”.. السودان يودع السفير المخلص للتراث الدكتور عبدالقادر سالم ..!*
البُعد الآخر
د. مصعب بريــر
*رحيل “كروان الرمال”.. السودان يودع السفير المخلص للتراث الدكتور عبدالقادر سالم ..!*

سكنت النغمة الحزينة في رمال كردفان، وانطفأ سراجٌ كان يضيء عتمة الليالي بالأمل والفن. ففي يوم حزين من أيام ديسمبر، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، فجع الشعب السوداني برحيل الهرم الفني والقامة السامقة، الدكتور عبدالقادر سالم، الذي غادر دنيانا تاركاً خلفه فراغاً لا يملؤه إلا صوت ذكراه العطرة، وإرثاً موسيقياً سيظل محفوراً في وجدان الأمة.
لم يكن عبدالقادر سالم مجرد فنان عابر، بل كان “دبلوماسياً شعبياً” حمل حقيبة التراث السوداني، وطاف بها عواصم العالم، من باريس إلى طوكيو، ليعلن للكون أن في عمق أفريقيا شعباً يمتلك إيقاعاً لا يشبه إلا نبض الأرض.
بين النغم والبحث: مسيرة الأستاذ الأكاديمي:
لقد تميز الفقيد بجمعه النادر بين الموهبة الفطرية والبحث العلمي الرصين. فبجانب صوته العذب، كان باحثاً أكاديمياً نال درجة الدكتوراه في الموسيقى، مما جعل فنه نتاجاً لعقلٍ مفكر وروحٍ هائمة بحب الوطن. لقد كان يؤمن أن الفن رسالة أخلاقية وقيمة إنسانية قبل أن يكون طرباً، فجاءت ألحانه مهذبة، رصينة، وتلامس النسيج الاجتماعي بكل ألوانه.
أغنيات في حب الوطن والتراث:
ترنم الراحل بأجمل الأغنيات التي خلدت في ذاكرتنا، فكانت بمثابة “البيان الوطني” الذي يوحد الوجدان:
** “جيناكم يا حبايبنا”: التي لم تكن مجرد أغنية، بل نشيداً للترحاب والمحبة والترابط الاجتماعي.
* “مكتول في هواك يا كردفان”: صرخة عشق للأرض، حيث جسد فيها حنينه إلى الرمال الذهبية وأشجار الهشاب.
* “اللوري حلّ بي”: الأغنية التي نقلت إيقاع “المردوم” من قلب البوادي إلى المسارح العالمية، مبرزةً جمال التراث الكردفاني الأصيل.
* أغنيات السلام والوحدة: التي كان يغرد بها دوماً، داعياً إلى نبذ الفرقة والتمسك بالقيم السودانية النبيلة من كرم وشهامة وعزة.
بعد اخير :
خلاصة القول، ولد الراحل في مدينة “الدلنج” بولاية جنوب كردفان، ومنها استمد صلابة الجبال ورقة النسمة. بدأ حياته معلماً، وظل طوال مسيرته “معلماً” للأجيال في الفن والأخلاق. ترأس اتحاد الفنانين السودانيين لسنوات طويلة، فكان الأب الروحي والمدافع عن حقوق المبدعين. لم ينكسر يوماً أمام موجات التغريب، بل ظل وفياً لإيقاع “الجراري” و”المردوم”، مصقلاً إياها بآلات الموسيقى الحديثة دون أن يفقدها هويتها.
وأخيراً، لقد رحل عبدالقادر سالم جسداً، لكنه بقي في كل “نغمة” حزينة، وفي كل “رقة” شمس تشرق على ربوع كردفان، وفي كل جلسة أنس سودانية تتذكر “الزمن الجميل”.
> اللهم إن عبدك عبدالقادر سالم قد نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله. اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأنزله منازل الصديقين والشهداء، وأعتقه من النار بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين.
>
إنا لله وإنا إليه راجعون.
ونواصل… إن كان في الحبر بقية، بمشيئة الله تعالى.
﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾
حسبنا الله ونِعم الوكيل
اللهم لا تُسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين.
#البُعد_الآخر | مصعب بريــر
الثلاثاء | 16 ديسمبر 2025م
musapbrear@gmail.com
