منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي *مبادرة الإسلاميين وهندسة المشهد السوداني*

0

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي

 

*مبادرة الإسلاميين وهندسة المشهد السوداني*

 

خلال الفترة الأخيرة، كثرت الدعوات داخل الحركة الإسلامية إلى أهمية إجراء مراجعات سياسية وفكرية، تهدف إلى إعادة ترتيب الصفوف وبناء استراتيجية جديدة ترقى إلى مستوى إعادة تعريف أدوات الفعل السياسي.

ينطلق هذا الرأي من إدراك أن أزمة الإسلاميين، شأنها شأن القوى التقليدية الأخرى، لم تكن أزمة مواقف أو تحالفات فحسب، بل أزمة بنية تنظيمية ونمط تفكير سياسي لم يعد قادرًا على المواكبة و الاستجابة لتعقيدات الواقع، في بيئة تواجه فيها البلاد، تحديات وأطماع إقليمية ودولية.

ومن هنا برزت دعوات جادة للتخلي عن النموذج الحزبي الهرمي الصفوي المغلق، واستبداله بصيغ تنظيمية أكثر مرونة، تقوم على الشبكات المفتوحة والتكامل الأفقي، بما يتيح توسيع دوائر التأثير، وتقليل المركزية، ورفع القدرة على التكيف مع التحولات السريعة داخل المجتمع والدولة.

ولا يمكن فصل هذا التفكير عن التجربة الطويلة للإسلاميين في الحكم والمعارضة، وهي تجربة كشفت قدرتهم على المناورة السياسية وبناء التحالفات، حتى مع خصوم أيديولوجيين، عندما توفرت الإرادة السياسية.

فقد أظهرت التجارب أن هذا التيار قادر على تجاوز الحواجز الفكرية والدخول في تسويات وطنية، وإن جاءت نتائج بعضها مثقلة بالإشكالات. غير أن الأهم ما أفرزته من وعيٍ بأن الاستقرار لا يُبنى بالهيمنة، وأن إدارة التنوع السياسي والاجتماعي شرطٌ لازم لأي مشروع حكم مستدام.

من هذا المنظور يمكن قراءة التسريبات المتداولة حول مبادرة إسلامية مرتقبة بوصفها نتاجًا مباشرًا لهذه المراجعات، ومحاولة عملية لترجمتها سياسيًا في لحظة سيولة أمنية وسياسية تعيشها البلاد.

وتشير المؤشرات إلى أن هذه المبادرة، إن طُرحت، لن تكون برنامج حكم جاهز أو مبادرة تفصيلية مغلقة، بل أقرب إلى إطار سياسي عام يطرح عناوين كبرى تتصل بالمصالحة الوطنية، ودعم اتجاهات الاستقرار، وإعادة بناء الدولة، مع ترك التفاصيل لمراحل لاحقة من التفاوض.

في هذا السياق أعلن رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، مؤخرًا عبر منبر الجزيرة مباشر، استعداد حزبه للدخول في حوار مع المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، شريطة تراجع هذه القوى عن خيار الحرب، وإبداء رغبة حقيقية في التوصل إلى حل سلمي للأزمة الراهنة.

وتزداد أهمية هذا التصريح إذا ما أُخذ في الاعتبار أن حزب المؤتمر السوداني يُعد جزءًا من مجموعة “صمود” التي يقودها د. عبد الله حمدوك، والتي تبنّت في مراحل سابقة موقفًا متشددًا يستبعد الإسلاميين من أي حوار.

هذه الخلفية تجعل حديث الدقير مؤشرًا مهمآ على تحولات محتملة داخل التحالفات المدنية، وقد تعكس استعدادًا ضمنيًا لمراجعة المواقف، بما يفتح هامشًا لمناقشة المبادرة المرتقبة ضمن إطار تفاوضي أوسع وأكثر شمولًا.

في المقابل اكتسبت الخطوة الأخيرة التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح البرهان، المتعلقة بعدم حرمان السودانيين من حقوقهم المرتبطة بالأوراق الثبوتية، دلات سياسية واضحة.

داخليًا، يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها إشارة إلى تهيئة المناخ لمقاربة سودانية محتملة للحوار ، عبر الفصل بين المعارضة المدنية من جهة، والمليشيات المسلحة التي تستهدف مؤسسات الدولة من جهة أخرى، والتأكيد على أن الحرب الدائرة ليست مجرد خصومة سياسية، بل معركة تمس جوهر الدولة واستقرارها. ومع ذلك تظل هذه الإشارات مرهونة بالانتقال من التصريحات إلى ضمانات تعزز الثقة في أي مسار قادم.

هذا التوجه يسهم في خلق بيئة أقل تعقيدًا أمام أي مبادرة سياسية، بما في ذلك مبادرة الإسلاميين، لأنه يحدد بوضوح الأطراف القابلة للدخول في التفاوض، مقابل الأطراف التي تمثل تهديدًا أمنيًا مباشرًا للدولة السودانية.

وهو ما يعزز فرص نجاح أي حوار شامل، إذا ما تم تبنيه بجدية، وهندسته بعيدًا عن الصراعات السياسية التي أقعدت بالبلاد وفتحت الباب واسعًا أمام التدخلات الإقليمية والدولية.

وإذا ما أُخذت ديناميكية المشهد الراهنة في الاعتبار، فإن الساحة السودانية تبدو وكأنها تمهد تدريجيًا لانفراج محتمل، ما يجعل اختيار هذا التوقيت لطرح المبادرة تكتيكًا سياسيًا محسوبًا. وقراءة دقيقة للظرف السياسي.

ومع ذلك يبقى الرهان الحقيقي في أن تتحول هذه المبادرة إلى فعل سياسي جاد. يُقابل بقدر مماثل من الجدية والمسؤولية من مختلف الفاعلين، داخليًا وخارجيًا، بما يفتح مسارات تفاوضية واقعية قادرة على تحويل التحديات الراهنة إلى فرص لإعادة البناء السياسي والاجتماعي في السودان.

فالاختراق الحقيقي لا يتحقق بمجرد الدعوة إلى المصالحة، بل بوضوح المواقف من قضايا ظلت محل خلاف تاريخي، مثل طبيعة الدولة و المشاركة والانتخابات، وضمان عدم عودة التمكين، وادماج القوات. وكلما اقتربت المبادرة من معالجة هذه الأسئلة بواقعية ، تعززت فرص نجاحها.

ويستند ترجيح طرح المبادرة في هذا التوقيت إلى جملة عوامل، من بينها موثوقية المصادر القريبة من دوائر القرار داخل التيار الإسلامي، والحراك السياسي والدبلوماسي النشط في عواصم إقليمية مؤثرة، وتحركات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، فضلًا عن اهتمام الإدارة الأمريكية بتثبيت هدنة إنسانية مع مطلع العام.

كما أن البيئة الإقليمية تبدو أكثر تقبلًا لصيغ الإسلام السياسي التوافقي بالنظر للتجربة السورية، بما يفتح هامش حركة لم يكن متاحًا في سنوات سابقة. في المحصلة تبدو المبادرة المرتقبة، إن أُعلنت، محاولة جادة لإعادة هندسة موقع الإسلاميين داخل المشهد السياسي السوداني بوضوح .

غير أن نجاحها يُقاس بقدرتها على الانتقال من منطق الدفاع عن الذات إلى منطق الشراكة الوطنية، ومن إدارة الصراع إلى إدارة التوافق، ومن اجترار الماضي إلى بناء أفق جديد يعكس تنوع السودان وتعقيداته.

بحسب #وجه_الحقيقة، قد لا يتجسّد الاختراق فاعلٍ واحد، لكنه يبدأ من مبادرة تمتلك شجاعة الإقرار بأن الوطن أكبر من جميع الكيانات، وأن السلام لا يُفصَّل بإرادات منفردة، بل يُنتزع عبر التنازلات والإرادة الصادقة لأجل سودان ينعم بالأمن والسلام بعيدا عن الارتهان للخارج .
دمتم بخير وعافية.
الاثنين 22 ديسمبر 2025م Shglawi55@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.