المناخ والحروب يرسمان خارطة جديدة للعالم عبر حركة النازحين
تخلص دراسة نشرت على موقع الأمم المتحدة في أغسطس (أب) 2019 إلى أن تأثيرات الأزمة المناخية الناجمة عن أنشطة الإنسان قد تؤدي إلى تغيير أنماط الاستيطان البشري على نطاق واسع، وتضيف أنه طوال تاريخ البشرية كانت الهجرة والمناخ مرتبطتين دائماً، وفي العصر الحديث، واعترافاً بتأثير البيئة والمناخ في الهجرة، قادت المنظمة الدولية للهجرة جهوداً لدرس الروابط بين تلك القضايا.
ووفقاً لرئيسة قسم الهجرة والبيئة وتغير المناخ بالمنظمة دينا أيونيسكو فإن “أطلس الهجرة البيئية الذي يعطي نماذج يعود تاريخها لأكثر من 45 ألف عام يعطي أدلة على أن التغيرات البيئية والكوارث الطبيعية لعبت دوراً في كيفية توزيع السكان على كوكب الأرض على مدى التاريخ”.
وأوضحت أيونيسكو أنه من المرجح جداً أن تتغير أنماط الاستيطان البشري بصورة كبيرة بسبب التغييرات البيئية غير المرغوب فيها والتي تنشأ مباشرة عن تغير المناخ أو زيادته.
تغير المناخ
وتعرّف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤوون اللاجئين (UNHCR) النازحين داخلياً بأنهم الأشخاص الذين لم يعبروا حدوداً دولية بحثاً عن الأمان، لكنهم مهجرون داخل أوطانهم، ويبقى النازحون داخلياً ضمن بلدانهم وفي حماية حكوماتهم حتى وإن كانت تلك الحكومات السبب في نزوحهم، وغالباً ما ينتقلون إلى مناطق يصعب على “المفوضية” تقديم المساعدات الإنسانية لهم، بحيث تعتبر هذه الفئات الأشد ضعفاً في العالم.
ونتيجة للنزوح القسري يتعرض النازحون داخلياً لخطر الحرمان والنزوح الإضافي وأخطار أخرى متعلقة بالحماية، مثل عدم الحصول على الخدمات الأساس والانفصال عن العائلة والعنف الجنسي القائم على نوع الجنس والاتجار بالبشر والتمييز والتحرش.
وتشير نشرة “الهجرة القسرية” في بحث نشر خلال شهر مارس (أذار) 2022، وجاء بعنوان “أزمة المناخ والنزوح من مرحلة الالتزام إلى مرحلة العمل”، أن عمليات النزوح المرتبطة بأخطار المناخ والطقس بلغت مستويات غير مسبوقة في العصر الحديث، فثمة تزايد واضح في شدة الأخطار التي يمكن أن تؤدي إلى النزوح وتواترها، مما يؤدي إلى تآكل سبل العيش والنظم الإيكولوجية الهشة، مما ينتج منه تفاقم حال الضعف القائمة وتقويض القدرة على الصمود.
ومنذ عام 2008 سجل ما متوسطه 24.5 مليون حالة نزوح داخلي سنوية جديدة على مستوى العالم مرتبطة بالكوارث، وأن 90 في المئة من هذه النزوحات كان سببها أخطار مرتبطة بالطقس مثل الفيضانات والعواصف والجفاف.
وأشارت دراسة أممية جاءت بعنوان “أزمة المناخ والهجرة.. بحث الأمم المتحدة عن حلول لقضية العصر”، إلى أن “هناك تنبؤات للقرن الـ 21 تشير إلى أنه سيتحتم على مزيد من الأشخاص الرحيل نتيجة للآثار المناخية الضارة”، إذ شددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي الهيئة الرئيسة للمنظمة في علوم المناخ على أن التغييرات الناجمة عن أزمة المناخ ستؤثر في أنماط الهجرة.
وتوقع البنك الدولي أن أعداد الأشخاص الذين ينزحون داخلياً سيصل إلى 143 مليون شخص بحلول عام 2050 في ثلاث مناطق في العالم، إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء في شأن المناخ.
نازحو سوريا
وعلى رغم الأعداد المرتفعة جداً للأشخاص الذين ينزحون بسبب الكوارث وعوامل تغير المناخ إلا أن أسباب النزوح تتعدد، ومنها البحث عن الأمان أو الاستقرار، كما أن النزوح القسري له أسباب اقتصادية وعوامل عدة أخرى.
وليس كل النازحين من مناطقهم يغادرون بلادهم إلى الخارج، بحسب “المفوضية السامية”، إذ يبلغ عدد النازحين داخلياً حوالى 60 في المئة من عدد اللاجئين حول العالم، أي أن غالبيتهم يبقون داخل بلادهم.
ووفقاً لموقع الإحصاءات (Statista) شكل اللاجئون 13 في المئة من مجموع عدد السكان عام 2020، وغالبيتهم نزحوا من سوريا، ويعادل عدد النازحين في الداخل السوري نحو ثلث عدد السكان، وهي النسبة الأكبر في العالم بحسب مفوضية “الأمم المتحدة”، ويأتي بعد سوريا كولومبيا واليمن بنحو 13 في المئة ثم أفغانستان تسعة في المئة وجمهورية الكونغو الديمقراطية ستة في المئة وإثيوبيا ثلاثة في المئة.
وتشمل هذه الأرقام النازحين الداخليين فقط بسبب الصراعات والعنف، ولا تشمل ضحايا التغير المناخي والكوارث الطبيعية والذين تجري “الأمم المتحدة” إحصاءات خاصة بهم.
ونزح خلال عام 2021 نحو 23.7 مليون شخص داخل بلادهم لأسباب تتعلق بالمناخ، وشهدت الصين والفيليبين والهند أكبر حركة نزوح بسبب المناخ، وأجبر مئات آلاف الباكستانيين عام 2022 على النزوح بسبب الفيضانات التي ضربت البلاد التي تعاني أصلاً أزمة اقتصادية حادة، وكانت بحاجة إلى المساعدة الدولية لمساعدة ضحايا الفيضانات وإعادة البناء، أما بالنسبة إلى النازحين بسبب الجفاف أو الفيضانات، فغالباً ما يعودون بسرعة لمناطقهم الأصلية.
وبحسب الأمم المتحدة فإن 80 في المئة من اللاجئين الأفارقة يبقون في القارة السمراء، وتبقى حركة النزوح محصورة ضمن دول المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللاجئين والمهاجرين من القارة الأسيوية، فالهجرة المحلية أو المناطقية هي السائدة.
الزيادة الأسرع
ويشير أحدث تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو (حزيران) الماضي إلى أن أعداد الأشخاص الذين شردهم العنف والحروب وانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد وصلت نهاية عام 2022 إلى رقم قياسي يبلغ 108.4 مليون شخص.
ووفقاً لتقرير الاتجاهات العالمية لعام 2022 فإن الحرب في أوكرانيا والصراعات في مناطق أخرى فضلاً عن التغيرات الناجمة عن المناخ أدت إلى نزوح مزيد من الأشخاص عام 2021، مما يستدعي، بحسب المفوضية، تحركاً عاجلاً للتقليل من أسباب النزوح واللجوء والتخفيف من وطأته.
وأوضحت المفوضية في تقريرها السنوي أن عام 2022 شهد زيادة في أعداد النازحين واللاجئين بمقدار 19.1 مليون شخص عن العام الماضي وهو ارتفاع سنوي غير مسبوق، لافتة إلى أن الاتجاه التصاعدي في معدلات النزوح القسري لم يظهر أي تراجع عام 2023 بسبب اندلاع الصراع في السودان، والذي أسفر عن موجات نزوح جديدة ليرتفع إجمال عدد النازحين واللاجئين في العالم بحلول مايو (أيار) الماضي إلى 110 ملايين شخص.
وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إن “هذه الأرقام توضح لنا أن بعض الجهات تهرع نحو الصراعات وتتباطئ للغاية في البحث عن الحلول، مما يؤدي إلى حدوث دمار ونزوح ومعاناة بالنسبة إلى ملايين الأشخاص الذين اقتلعوا من ديارهم”.
وأفاد تقرير المفوضية بأن عدد اللاجئين (أي من عبروا الحدود الدولية) عام 2022 بلغ 35.3 مليون شخص، بينما كانت النسبة الأكبر من الأشخاص الذين شردتهم الحروب من النازحين داخل بلدانهم، إذ وصل عددهم إلى 62.5 مليون شخص شردوا بسبب العنف والصراع.
وكانت حرب أوكرانيا العامل الأبرز في زيادة أعداد النازحين واللاجئين عام 2022، إذ قفزت أعداد اللاجئين الأوكرانيين من 27300 عام 2021 إلى 5.7 مليون لاجئ بحلول نهاية عام 2022، وهي الزيادة الأسرع في عمليات النزوح منذ الحرب العالمية الثانية.
وأشارت المفوضية في تقريرها أيضاً إلى زيادة كبيرة في أعداد اللاجئين من أفغانستان بنهاية عام 2022 بسبب تعديل الأرقام الواردة من إيران في شأن من لجأوا إليها من أفغانستان خلال الأعوام الماضية.