منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د.السر احمد سليمان يكتب : *شهوة الإذاعة والنشر في الوسائط والتلقي بالألسن*

السر احمد سليمان
0

د.السر احمد سليمان يكتب :

*شهوة الإذاعة والنشر في الوسائط والتلقي بالألسن*

يسعى البعض إلى نشر كل ما يصل إليهم من المواد التي تضج بها وسائط التواصل الاجتماعي، ولا يتروى البعض عن نشر المواد أيا كانت محتوياتها، سواء من حيث المصداقية أو عدمها، أو من حيث تأثيرها الاجتماعي الخاص والعام، وذلك فيما يتعلق بمن يتم النشر عنهم، أو من يتلقون تلك الرسائل من المستقبلين.

ويبدو أنّ عملية النشر والمسارعة فيها ليست عفوية وتلقائية، وإنّما مرتبطة ببعض الجوانب العقلية والنفسية والاجتماعية لدى الأفراد، ونظرا للمخاطر التي تتعلق بكثير مما يتم نشره، فلابد من تنمية الوعي والتوجيه والإرشاد المستمر للأفراد لكي يتفحصوا المواد ويستوثقوا من محتوياتها قبل أن يقوموا بإعادة نشرها.

وقد حصل لي شرف المشاركة في دراستين مع الزميلين د عثمان فضل السيد و د محمد محمد الهادي عن التعامل مع محتوى وسائط التواصل الاجتماعي وعلاقته بكل من التفكير الناقد وخصائص الشخصية لدى عينتين مختلفتين. واتضح لنا أنّ الناس يتعاملون مع محتوى وسائط التواصل الاجتماعي كما يلي:

• يقرأون ويطلعون فقط على ما يصل إليهم ولا يعيدون إرساله.
• يعيدون إرسال ما يصل إليهم قبل أن يقرأوه ويطلعوا عليه جيدا.
• يقرأون ويطلعون على ما يصل إليهم بصورة جيدة ثمّ يعيدون إرساله.
• يقرأون ويطلعون على ما يصل إليهم ويفحصونه جيدا ثمّ يعيدون إرساله.
• يقرأون ويطلعون على ما يصل إليهم ويفحصونه جيدا ويستوثقون منه ثمّ يعيدون إرساله.

ومن حيث علاقة المقدرة على التفكير الناقد والتعامل مع محتوى وسائط التواصل الاجتماعي اتضح لنا أنّه كلما ارتفع معدل التفكير الناقد لدى الأفراد كلما قلّ إعادة نشر الرسائل بدون الفحص والاستيثاق من محتواها. وفيما يتعلق بخصائص الشخصية اتضح لنا أنّه توجد علاقة طردية موجبة بينَ التعاملِ معَ محتوى مواقع التواصل الاجتماعي؛ وعاملي (الانبساطيةَ والوعي أو الإتقانِ) ولا توجد علاقة مع عوامل (العصابية والتفتح للخبرة والقبول). بمعنى أنّ الأشخاص الذين يتسمون بالانبساطية والوعي أو الاتقان لا يعيدون نشر ما يصل إليهم إلا بعد قراءته والاطلاع عليه جيدا وفحصه والاستيثاق من صحة محتواه، بينما الذين يتسمون بالعصابية والتفتح للخبرة والقبول يمكنهم أن يعيدوا نشر ما يصل إليهم بدون الفحص والاستيثاق.

ومفهوم الشخصية الانبساطية (Extraversion) في علم النفس هي الطرف الآخر للشخصية الانطوائية، والشخصية الانبساطية تتسم بكل من: الدفء أو المودة، توكيد الذات، النشاط، البحث عن الإثارة، الانفعالات الإيجابية. والشخصية الواعية الإتقانية (Conscientiousness) تتسم بكل من الاقتدار أو الكفاءة، التنظيم، الالتزام بالواجبات، الطموح، والاجتهاد.

بينما الشخصية العصابية (Neuroticism) تتسم بكل من: القلق، الاكتئاب، الغضب، الخوف، توهم المرض، تقلب المزاج، القابلية للمرض، الشعور بالذنب، الاندفاع. ويوصف هذا العامل عامة بأنّه متصل يقابل بين عدم الاستقرار الانفعالي والاستقرار. وشخصية التفتح للخبرة (Openness to experience) تتسم بكل من: الخيال، الجماليات، التعبير عن الانفعالات بشكل أقوى من الآخرين، التفتح العقلي، تجديد الانشطة والهوايات بشكل مستمر، الميل لإعادة النظر للقيم الاجتماعية والسياسية والدينية، حب الاستطلاع، الجسارة أو الجرأة. وشخصية القبول (Agreeableness) تتسم بكل من: الثقة، الحب، التعاطف، الصداقة، التعاون، الإيثار، والتواضع.

وقد ورد في القرآن الكريم أنّ شهوة النشر وخاصة فيما يتعلق بشؤون الآخرين وأعراضهم تحتاج إلى ضبط عالٍ، ومسؤولية كبيرة. وقد وصف القرآن الكريم بصورة بليغة جدا أنّ نشر وإذاعة المعلومات التي تتعلق بالجوانب السلبية للآخرين واتهامهم ببعض الشبهات من غير فحص واستيثاق كأنّما هو استقبال باللسان ونشر باللسان بدون النظر في تلك المعلومات وفحصها عقليا، كما قال الله عزّ وجلّ في حادثة الإفك:

{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم}[النور:15].

وقال الرازي في التفسير الكبير: فَإنْ قِيلَ ما مَعْنى قَوْلِهِ: {بِأفْواهِكُمْ} والقَوْلُ لا يَكُونُ إلّا بِالفَمِ؟ قُلْنا مَعْناهُ أنَّ الشَّيْءَ المَعْلُومَ يَكُونُ عِلْمُهُ في القَلْبِ فَيُتَرْجَمُ عَنْهُ بِاللِّسانِ وهَذا الإفْكُ لَيْسَ إلّا قَوْلًا يَجْرِي عَلى ألْسِنَتِكم مِن غَيْرِ أنْ يَحْصُلَ في القَلْبِ عِلْمٌ بِهِ، كَقَوْلِهِ: {يَقُولُونَ بِأفْواهِهِمْ ما لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٦٧].

وقد ورد في القرآن الكريم أيضا التوجيه إلى عدم الإذاعة والنشر فيما يتعلق بالشأن العام إلا بعد أن يتم الاستيثاق والتحليل والتروي والاستنباط، قال الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا}[النساء: 82].

والله أعلم

د السر أحمد سليمان
أستاذ علم النفس
جامعة حائل
السعودية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.