محمد التجاني عمر قش يكتب : *ليس بعد النصر إلا البناء! (1)*
محمد التجاني عمر قش يكتب :
*ليس بعد النصر إلا البناء! (1)*
الحرب التي خاضها الشعب السوداني مع جيشه الباسل، ضد الفئة الباغية من المليشيا وعملاء قحت، تكاد تصل إلى ناهيتها بإذن الله تعالى، وذلك الفضل من الله. وفي واقع الأمر كانت الحرب تجربة مريرة تأثر بها كل الوطن من الجنينة وحتى سواحل البحر الأحمر. فقد شرد الناس من منازلهم وديارهم ونهبت أموالهم وانتهكت أعراضهم وتعرضوا للذل والإهانة، كبيرهم وصغيرهم، ونساؤهم ورجالهم بغير رحمة لصغير أو توقير لكبير؛ لأن المليشيا أصلاً لا تعرف أخلاق ولا تتقيد بمثل أو دين، بل خرج الأوباش من أصقاع إفريقيا تحدوهم غريزة حيوانية للانتقام والتشفي والنهب والسلب والقتل، ولكن الجيش السوداني، وبمساندة قوية من الشعب الأبي، كان لهم بالمرصاد فدمر قدراتهم وفشل خططهم وأهدر أحلامهم بوقفته الصلبة، وصبره على المكاره فطاشت سهام المليشيا وأعوانها، وطفقوا يجوبون عواصم العالم يستجدون الدعم ولم يجنوا من ذلك كله إلا السراب ولم يحققوا غير رهن أنفسهم للأجنبي والارتزاق ضد الوطن.
هذه الحرب خلفت من الدمار والخراب ما الله به عليم، فهنالك دمار مادي ومعنوي واجتماعي، ولله الحمد من قبل ومن بعد. ولكنني أذكر الشعب السوداني بأننا لسنا الدولة الوحيدة التي تتعرض لمثل هذه الهجمة الشرسة، ولسنا بدعاً من الشعوب فقد دمرت من قبلنا اليابان وألمانيا وفيتنام ودول أخرى كثيرة، ولكنها لم تستسلم وتركن إلى ما حل بها، بل نهضت من كبوتها وأعادت إعمار ما دمرته الحروب، وبنت اقتصاداً قوياً واستعادت تماسك نسيجها الاجتماعي، وشيدت مؤسسات حكم راسخة، وصارت من أكبر اقتصاديات العالم، وهي لا تملك معشار ما لدينا من موارد طبيعية تصلح لأن تكون أساساً لنهضة شاملة غير مسبوقة، وكل ما هو مطلوب في هذا الصدد هو توحيد الجبهة الداخلية وتنقيتها من الخونة والعملاء، والتوصل إلى رؤية وطنية قابلة للتنفيذ بمقدراتنا الذاتية بدون رهن إرادتنا الوطنية لأي جهة مهما كلفنا ذلك من صبر وعناء يفضي إلى البناء والعزة والكرامة في خاتمة المطاف.
ومن الأولويات في هذا التوجه تعزيز أمننا القومي وبناء جيش قوي يمثل كل ألوان الطيف الإثني والجهوي في السودان؛ ذلك لأن جيشنا العظيم وقواتنا النظامية الأخرى قد أثبتت أنها الدرع الحامي للوطن تحت كل الظروف؛ فقد والله خاضوا معركة الكرامة بكل قوة واقتدار وصبروا على الأذى وقلة المعين حتى لاحت بشائر النصر في الأفق، وبدأ الشعب السوداني يتنفس الصعداء بعدما أذاقته قوات المليشيا الأمرين من القتل والسلب والتشريد. ولا تعجب أيها القارئ الكريم من أننا نبدأ بالجيش أولاً فكما رأينا أن العدو قد بدأ أولاً باستهداف رموزنا ومقدراتنا العسكرية لعلمه التام أن أقصر الطرق للسيطرة على بلد ما يبدأ بتدمير جيشه وقدراته القتالية مثلما حدث في العراق وليبيا وغيرها من دول المنطقة. وبناء الجيش يجب أن يكون وفق أسس علمية يعرفها قادة الجيش؛ شريطة أن يستوعب كل من يرغب في الانخراط في سلك الجندية بلا جهوية أو قبلية، فالمقصود أن يكون الجيش قومياً بكل ما تحمل العبارة من معنى. ثم إن هذا الجيش يجب أن تتوفر له أحدث أنواع الأسلحة مهما كلف ذلك، مع تدريب متقدم يؤهله للقيام بمهمة الدفاع عن أمننا القومي ومراقبة حدودنا؛ خاصة مع تلك الدول التي رفدت المليشيا بالمرتزقة أثناء الحرب. وباختصار نريد أن يكون لدينا جيش قوي وقادر على التصدي لما يحاك ضد الوطن من مؤامرات، ويتمتع بعقيدة عسكرية تخدم مصلحة الوطن العليا بعيداً عن الانتماء الحزبي أو الفكري أو الجهوي تحقيقاً للشعار المرفوع الآن: “جيش واحد، شعب واحد”.
معركة الكرامة علمتنا دروساً وطنية كثيرة إذا لم نستفد منها لن يكون الوطن مستقراً مهما بذلنا من جهود وانفقنا من أموال، وأول تلك الدروس أن السودان بلد مستهدف من جهات كثيرة ولا سبيل للتصدي لهذا الاستهداف إلا ببناء قوات مسلحة حديثة ونظام أمني متفوق، ليس لقهر الشعب وإذلاله، بل لحماية مصالحنا الوطنية والمحافظة على تراب الوطن الغالي؛ بحيث يكون السودان دولة لها مكانتها في محيطها العربي والإفريقي، ويكون دولة قادرة على التأثير على مجريات الأحداث من مركز قوة واقتدار. والمثل السوداني يقول: “الجري قبل الشوف قدلة”؛ وذلك يعني أن من الضرورة بمكان التخطيط المسبق إذا كان المراد تفادي تجربة حرب المليشيا وما تسببت فيه من دمار لجميع مرافق الدولة وبنياتها التحتية.
١٧ فبراير ٢٠٢٤