محمد التجاني عمر قش يكتب : *ليس بعد النصر إلا البناء (3)*
محمد التجاني عمر قش يكتب :
*ليس بعد النصر إلا البناء (3)*
في الحلقتين السابقتين من هذه السلسلة ناقشنا بعض الأمور ذات الصلة ببناء الوطن بعد نهاية معركة الكرامة التي يخوضها جيشنا وشعبنا وقواتنا النظامية الأخرى لتطهير السودان من دنس الخونة والعملاء، ودار الحديث عن ضرورة بناء جيش قومي قوي ومقتدر مع توفير كافة المستلزمات العسكرية الضرورية لاستدامة الأمن والاستقرار في كافة ربوع البلاد، وحماية وحراسة الحدود! وفي هذا السياق كان من الضروري الحديث عن أجهزة أمنية حديثة ومدربة لضبط الأمن الداخلي وحماية الأمن القومي من كافة الجوانب. وهذا يتطلب اختيار كوادر مدركة لأهمية الأمن في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها السودان، مع تدريبهم تدريباً متقدماً يتوافق ومتطلبات الوضع الذي يكتنف السودان نتيجة لهذه الحرب التي استهدفت وجودنا كشعب واستهدفت مواردنا الطبيعية وجميع ما يتعلق بالوطن من إنسان وهوية، ومصادر، وبنية تحتية، ومستقبل.
ومن المعلوم بالضرورة أن البناء لا يتحقق إلا بوجود جهاز تنفيذي حكومي فعّال وملتزم بتوجيهات الإدارة العليا للدولة، ويراعي المؤسسية ويحترم النظام والقوانين ويرتب الأولويات حسب مقتضى الحال، على أن تتوفر لديه النزاهة والوطنية والتأهيل المهني والقدرة على المبادرة وعدم المحاباة أو الميول الحزبية أو الجهوية أو القبلية أو الفئوية والطائفية، بمعنى أن يكون الذين يشغلون المناصب في الجهاز التنفيذي من المبرئين من كافة النواقص والتشوهات التي أعاقت تطور السودان في العهود السابقة، أي أن يكونوا من التكنوقراط الخلص الذين لم يبسق أن عرفوا بأي انتماء لجماعة أو حزب أو جهة.
وحيث أن الحرب الدائرة الآن قد أفرزت واقعاً أمنياً معقداً قد يصل لدرجة الانفلات الأمني؛ نظراً لانتشار السلاح وكثرة المتفلتين ودخول بعض المجرمين من دول الجوار؛ فإن الوضع يتطلب مشاركة الجيش والقوات النظامية الأخرى في دولاب الحكم والجهاز التنفيذي على أقل تقدير خلال الفترة الانتقالية التي تعقب هذه الحرب؛ لعدة أسباب منها أن الجيش والقوات النظامية، باعتبارها مؤسسات قومية راسخة وقادرة على القيام بالمهام المنوطة بها، قد أثبتت جدارتها في التصدي لعدوان التتار الجدد حتى أوشكت على دحرهم وكسر شوكتهم تماماً، وبالتالي لابد من مشاركتها في تسيير الأمور ريثما تقام انتخابات حرة ونزيهة وبإشراف دولي حتى يستطيع الشعب السوداني الأبي اختيار من يحكمه بعد الاتفاق على طريقة وشكل الحكم بعد الفترة الانتقالية.
وقد تحدث كثير من المهتمين بالأمر في وسائط التواصل الاجتماعي عن ضرورة تكوين جهاز حكومي انتقالي منسجم يتكون من كوادر وطنية مقتدرة مثلما جاء في حديث الرجل الوطني المخلص الأستاذ محمد محمد خير الذي أشار بشيء من التفصيل عن تكوين الحكومة الانتقالية وشروط تولي الوظائف والمهام التي يجب تنفيذها خلال تلك الفترة بما في ذلك وضع دستور وقانون للأحزاب والانتخابات وبسط الأمن وتسهيل عودة الناس إلى ديارهم واستئناف أنشطتهم وحياتهم بشكل عادي.
وبشكل عام، يجب أن يكون هنالك مستويان من الحكم، حتى حين، هما الحكم الفدرالي الذي يجب أن يكون على رأسه قادة الجيش ويساعدهم كادر وطني من المدنيين المؤهلين المختصين في كافة المجالات، على أن تسند إدارة الولايات مرحلياً إلى قيادات الوحدات العسكرية فيها مع اختيار جهاز إداري لا يكون بالضرورة من أبناء تلك الولايات بل يجب توخي الكفاءة والوطنية والنزاهة حتى لا نكرر ذات الأخطاء الشنيعة التي شهدتها الفترة الانتقالية السابقة حيث حدث أكثر من تغيير وتبديل وكانت المحصلة النهائية عدم إي إنجاز يذكر لا على المستوى الاتحادي ولا الولائي للأسف الشديد.
وحسب ما جاء على لسان الأستاذ محمد محمد خير فإن من المطلوب ابتعاد قادة الحركات المسلحة والقيادات القبلية والجهوية عن مسرح الأحداث مؤقتا؛ لأن الآن الحصة وطن وهذه فرصتنا الأخيرة كدولة، إما نخلص ونتفق ونبني الوطن على أسس جديدة أو لا نكون مطلقاً.
٢٧ فبراير ٢٠٢٤