م.صلاح غريبة يكتب : *تضيع المخطوطات السودانية وتحترق…!*
شئ للوطن
في يوم الرابع من إبريل يحتفل بيوم المخطوطات العربية، وهي مناسبة سنوية للاحتفاء بهذا الكنز الثمين من تراثنا العربي، وفي دورته الثانية عشرة لعام 2024، يحتفل به تحت عنوان ” تراثنا المخطوط ومقومات التواصل الحضاري”. فالمخطوطات حاملات ذاكرة أمتنا، ووعاء علومها وآدابها وفلسفتها، وشاهد على إبداعات أجدادنا وإنجازاتهم على مر العصور.
وبخصوص المخطوطات السودانية وعلى الرغم من كون الثقافة الشفهية كانت سائدة في بعض مناطق السودان. ولكن تمتلك البلاد ثروة ضخمة من المخطوطات والتي تتميز بتنوعها وثرائها، حيث تُغطي مختلف جوانب الحياة ومختلف المجالات، من علوم الدين والفقه واللغة إلى التاريخ والفلسفة والطب.
تواجه المخطوطات السودانية تحديات جمة، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها البلاد. فالحرب والصراعات تُهدد سلامة هذه المخطوطات والمؤلفات التاريخية النادرة وتعرضها للتلف أو الضياع، بسؤال من المسؤول عن احتراق ذاكرة الوطن وإحراق التاريخ و طعن الذاكرة السودانية. سبق تابعنا محصلة الدمار الذي لحق بواحدة من أعرق المكتبات السودانية وأكثرها ازدحاما بالمؤلفات والمخطوطات النادرة، في سياق تداعيات الحرب والانفلات الأمني بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي، ومن خلف إحراق مكتبة مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية بالجامعة الأهلية وسط حسرة وأسى في نفوس الآلاف من طلاب وخريجي الجامعة العريقة، الذين تفاعلوا بحزن كبير مع نبأ حريق المكتبة الذي أشاع كذلك حالة من الغضب والحزن بين المفكرين ودارسي التاريخ كونها من المراكز البحثية المهمة في البلاد.
جامعة أم درمان الأهلية سيرة محببة في نفوس عدد كبير من السودانيين؛ فهي أول جامعة للتعليم الأهلي تنشأ في البلاد، أسسها دكتور محمد عمر بشير عام 1985، كجامعة غير ربحية بدأت بكليات محدودة ثم توسعت لتشمل مجالات العلوم الإدارية واللغات والكمبيوتر والتوثيق والمكتبات الدراسات البيئية وعلوم المختبرات الطبية، قبل أن تتحول إلى جامعة كاملة بكل أقسامها، وباتت رائدة التعليم الجامعي الأهلي والأكبر من نوعها في السودان.
ورغم أن إحراق مكتبة المركز وقع في سياق عملية نهب اتصلت نحو 10 أيام وطالت كل ممتلكات الجامعة الأهلية وسط قناعة بأن إحراق مكتبة مركز محمد عمر بشير كان عملا ممنهجا دافعه الأساسي محو ذاكرة السودانيين.
النيران أحرقت معها وأضاعت إلى الأبد جهد 37 عاما من البحث وجمع الكتب والوثائق النادرة، وهذه واحدة من محاولات محو الذاكرة السودانية ولم يتم حصر كل المحروقات والنهب في كل الجامعات ومراكز البحوث المختلفة.
تضم مكتبة مركز الجامعة الاهلية المنكوبة مكتبات شخصية لرموز وطنية صاحبة إسهامات سياسية وثقافية ومخطوطات ومؤلفات وأوراق بذلها بخط يده مؤسس الجامعة الأهلية محمد عمر بشير المتوفي عام 1992، الذي سميت باسمه مكتبة المركز، وكان صاحب الباع الطويل في الكتابة عن جنوب السودان، وله مؤلفات عن التعليم في السودان وتاريخ الحركة الوطنية وغيرها من عشرات الكتب والمخطوطات والمؤلفات التي عكف على جمعها وتنقيحها سنوات.
بجانب مكتبة فقهية متميزة تبرعت بها أسرة الشيخ الراحل حسن الدرديري، بجانب كتب ووثائق نادرة تبرعت بها أسرة العقيد مظلات عزت فرحات، فضلا عن كتب ومؤلفات نادرة لإبراهيم يوسف سليمان أحد أبرز أعضاء جمعية أبوروف الأدبية التي كانت قوة دافعة للنشاط الثقافي والوطني ومثلاً يحتذى به لغيرها من الجمعيات الأدبية.
وقضت النيران كذلك على مجموعة الراحل حماد توفيق أول وزير مالية بعد الاستقلال ومن الشخصيات الوطنية المعروفة، كما أحرقت جزءا كبيرا من مكتبة الدكتورة زينب بشير البكري وغيرها من مجموعات نادرة تبرع بها أفراد لمكتبة المركز.
وتوفرت لمكتبة المركز التي قضت عليها النيران أكبر حصيلة من وثائق الحركة الوطنية وأكبر مجموعة من الصور عن معالم السودان والشخصيات التاريخية تم جمعها خلال سنوات طويلة.
يوم المخطوطات العربية هو مناسبة للتذكير بأهمية هذا التراث الثمين، وضرورة العمل على حمايته من الاندثار. فالمخطوطات ليست مجرد أوراق قديمة، بل هي ذاكرة أمتنا ومرآة حضارتنا.