عادل عسوم يكتب : *وقفات، وتدبرات رمضانية .. العام 1446 اليوم التاسع .. التسبيح رفيق الصيام في علو الشأن*
عادل عسوم يكتب :
*وقفات، وتدبرات رمضانية .. العام 1446 اليوم التاسع .. التسبيح رفيق الصيام في علو الشأن*
المتدبر لآيات التسبيح في القرآن الكريم وشواهد السنة النبوية الشريفة يجده من أكثر العبادات شبها بالصيام في علو الشأن، ولعمري انهما إن اقترنا لارتقيا بالعابد في مدارج السالكين رقيا عظيما، التسبيح العبادة التي أمر بها ربنا في كل الأوقات والحالات، قال تعالى في سورة الأحزاب:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا * وسبحوه بكرةً وأصيلا}.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا): إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً وعذر أهلها في حال العُذْر إلا التسبيح والذكر، فإن الله لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه، فقال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} الرجال والنساء، بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وفي كل حال، وقال {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا}..
والصيام من أحب الطاعات عند الأنبياء والرسل من لدن آدم عليه السلام إلى خاتم الأنبياء والرسل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وصنوه في علو الشأن التسبيح، والدليل على ذلك هذه الآية الكريمة:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} الاسراء 44
انظروا لقد قال ربنا (ولكن لاتفقهون تسبيحهم) ولم يقل ولاتعلمون تسبيحهم،
قبل سنوات كنت أشاهد برنامجا علميا في قناة ناشيونال جيوقرافيك، أفاد البرنامج بأن العلماء لاحظوا صدور ذبذبات صوتية من النباتات في المجال الذي يسمعه الإنسان، أي ضمن ترددات من 20 إلى 20000 ذبذبة في الثانية، ولكن الإشارات الصوتية التي تطلقها هذه النباتات ضعيفة جداً ولا يمكن سماعها إلا بعد تقويتها وتكبيرها آلاف المرات.
وقرأت بأن العلماء لاحظوا بأن بعض النجوم تصدر أصواتاً مسموعة، ولعل النجم النيوتروني الذي سماه الله ب(الطارق) والذي يصدر صوتاً يشبه صوت المطرقة احداها، وكذلك الثقوب السوداء فإنها تصدر أصواتاً، وقرأت أيضا بأنه تم منذ فترة تسجيل الصوت الذي أصدره الكون بعد الانفحار العظيم!
واكتشف الدكتور Gimzewski أستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا باستخدام كمبيوتر ذري أن كل خلية في جسم الكائن الحي تصدر صوتاً محدداً يختلف عن الخلية الأخرى!
حتى الشريط الوراثي داخل خلايا الأجسام تبين للعلماء بأنه يصدر ذبذبات صوتية محددة وكأنه يسبح الله ليل نهار!، وهنا نوقن كمسلمين بأن التسبيح لله له أثره على خلايانا ونظام عمل الشريط الوراثي فينا، ولعمري إن تجربة مختبرية عن تأثير التسبيح على خلايا الإنسان خلال الصيام وعند الفطر لتضيف إلى البشرية الكثير…
قال نبينا صلى الله عليه وسلم إن كلمة (سبحان الله وبحمده) من أحب الكلمات إلى الله تعالى، وأن من قالها كل يوم مئة مرة حُطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.
التسبيح جعله الله سببا للنجاة وللحفظ، ها هو نبي الله يونس عليه السلام:
{فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} الصافات 144،143
{…فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الانبياء 87
كان التسبيح بفضل الله سببا للحفظ والنجاة والاجتباء والصلاح:
{فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} القلم 50.
ثم اقرأوا معي هذه الآية البديعة في حق نبينا صلى الله عليه وآله وسلم:
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الطور.
اقرأوا بالله عليكم ماذا قال عنها صاحب الظلال رحمه الله:
(ويا له من تعبير! ويا له من تصوير! ويا له من تقدير! .. إنها مرتبة لم يبلغها قط إنسان .. هذه المرتبة التي يصورها هذا التعبير الفريد في القرآن كله .. حتى بين التعبيرات المشابهة .
لقد قيل لموسى عليه السلام: (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى).. وقيل له: (وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني).. وقيل له :(واصطنعتك لنفسي).. وكلها تعبيرات تدل على مقامات رفيعة .. ولكن قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: (فإنك بأعيننا) وهو تعبير فيه إعزاز خاص، وأنس خاص .. وهو يلقي ظلا فريدا أرق وأشف من كل ظل .. ولا يملك التعبير البشري أن يترجم هذا التعبير الخاص .. فحسبنا أن نشير إلى ظلاله .. وأن نعيش في هذه الظلال،
ومع هذا الإيناس هداية إلى طريق الصلة الدائمة به: (وسبح بحمد ربك حين تقوم * ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم).. فعلى مدار اليوم .. عند اليقظة من النوم .. وفي ثنايا الليل .. وعند إدبار النجوم في الفجر .. هنالك مجال الاستمتاع بهذا الإيناس الحبيب .. والتسبيح زاد وأنس ومناجاة للقلوب .. فكيف بقلب المحب الحبيب القريب؟!
سيد قطب رحمه الله.
ياااااه
التسبيح يوقظ الضمير، ويزكي النفس، ويرتقي بالوجدان،
روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
اللهم اجعل ألسنتنا عامرة بذكرك وتسبيحك وحمدك وشكرك، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله عدد ما سبح لك من حي وجماد.
ولنقرن التسبيح بالصيام يا أحباب، فإن الخير الذي يرتجى من ذلك لعميم، فكل عبادة تقترن بالصيام تكون أرجى للقبول، ومن ذلك صيام موسى عليه السلام تهيئة للقاء الله…
أسأل الله أن يعيننا على الصيام في رمضان وفي غير رمضان، وأكرمنا ياربنا حين نلقاك بأن نكون ممن يدخلون الجنة من باب الريان، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
آمنت بالله.
adilassoom@gmail.com