منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

✒️ صهيب حامد *د. كامل إدريس.. موهبةٌ وهبة تتأرجَح بين الحِس السياسي والعقل البراغماتي.*

0

✒️ صهيب حامد

 

*د. كامل إدريس.. موهبةٌ وهبة تتأرجَح بين الحِس السياسي والعقل البراغماتي.*

صهيب حامد

والإنقاذ هشة اللحم تفجّرت لتوها (إنقلاباً أم ثورة وفي ذلك فليختلف المختلفون) وفي سجن كوبر حيث إحتجزت السلطات الجديدة السياسيين من أمثال الصادق المهدي والترابي و محمد إبراهيم نقد والميرغني وغيرهم ، ضبط أحد ضباط سجن كوبر رسالة حزبية مخبّأه في إحدى الكتب المرسلة لدكتور حسن الترابي زعيم الإسلاميين الذي كان ضمن الضبطية السياسية تمويهاً مخافة معرفة هوية التغيير. تعامل الضابط المعنى مع هذه المخالفة وفق صلاحياته واضعاً الزعيم الكبير في (محبسٍ إنفرادي) مانعاً إياه مِمّا يحظى به نظرائه من السياسيين الآخرين!!. بالطبع فلقد وجد هذا الضابط نفسه معاقباً بتهمٍ كثيرة فيما بعد ، ولكني إن كنت في مقام محاسبته فلن أفعل ذلك لتجاسره على زعيم (جماعة الإنقلاب) وقد راجت الأقاويل المتواترة أنّه من صنع تلاميذه ، ولكنه يستحق العقوبة لإفتقاره الحس السياسي وقد دفعته مهنيته أو عداءه السياسي للرجل (قيل أنه منتمٍ لفصيل مناوئ للرجل) لمعاقبة الملك (وإي ملك!) وأنت لا تعدو سوى أن تكون بيدقاً في رقعة شطرنجه!!. لا يجادل أحد إلا مغالي في كفاءة وتأهيل وذكاء وتجربة الدكتور كامل ادريس ، ذلك إلى جانب إمتلاكه باقة من المواصفات ليس أقلها مصفوفة من العلاقات الدولية في أروقة المنظمات الدولية والأممية وعلى ذلك فقس. ولكن ومع ذلك لا ندري ما إذا شحذ الرجل أدواته السياسية لتنمية حس سياسي مطلوب لحفظ ووزن معادلة المكاسب العسكرية حتى لا يقال بعد غدٍ أن رئيس وزرائنا الجديد قد أفْقَدَنا بالشِمال ما قد كسبناه عرق جبين وكسب يمين خلال أكثر من حولين من التضحيات في معركة الكرامة!؟.

أنا ليس ضمن باقة واحدة سياسياً أو إجتماعياً مع حركات دارفور التي إنحازت لقواتنا المسلحة في معركتها المصيرية ضد مليشيا الجنجويد ، وإن أَعُدُّ نفسي ضمن باقة ممن يرون أن الكسب الوطني والسياسي والعسكري الذي حققه إنخراط هذه الحركات ضمن سياق هذه المعركة لا يقاس بميزان ما كسبته هي من مناصب وزارية أو مصالح دنيوية ، وحسب أن يكون ذلك إشارة ذكية للقاعدة الدارفورية في الميدان التي تمثلها هذه الحركات ، وقد أكدت هذه القاعدة إنحيازها لمفهوم الوطن الواحد بمعزل من الأعراق والسحنات والألوان. كما أنني ليس محبِزاً الأجواء التي ترشُح من الصراع الدائر اليوم حول الأنصبة والمواقع وهو سلوك مُفضي إلى إفراز إنزيمات تحقن الجو السياسي بأقدار من عدم الثقة وإنعدام الأمان وهو ما سوف يُحْدِث متغيرات تؤدي لإختلال في المعادلة العسكرية لمعركة الكرامة. فحسب هذه الحركات وقواها الإجتماعية أنها إحتملت ظلمنا الكبير الذي وقع عليها جرّاء إنحياز مركز الدولة السودانية وآيديولوحبتها منذ الإستقلال لأعدائهم الإجتماعيين بدارفور من مليشيا الجنجويد مما أدّى خلال ربع قرن لأكبر مقتلة لا توازيها إلا ما أحدثه نفس هؤلاء الجنجويد خلال معركة الكرامة. ذلك من جانب ، ولكن من جانب آخر فإن التاريخ والمواثيق ومفهوم العقل البراغماتي ومفهوم الوطنية السودانية الحقة ، كل ذلك يقف لجانب وجوب تصفيف هذه الحركات كحلفاء أصيلين لمركز الدولة السودانية في ثوبها الجديد.

وهنا فدعني أتحدث ليس بالفرنسية ولا الإسبانية التي يجيدها رئيس وزرائنا ، لكنها لغة أخرى أكثر صعوبة ورغم ذلك أحسب أنه سوف يلتقط دلالاتها بمهارة أكثر من كثيرين سبقوه لهذا المنصب ، وهي لغة إن فهمها الرجل فهو قمين أن يستحق هذا المنصب بألف ولام العهد. فالسيد/رئيس وزرائنا وهو القادم لتوه من (سويسرا) التي تقع على مرمى حجر منها مواطئ (ليفي ستراوس) أبو البنيوية الحديثة الذي يعتقد أن التوافق هو حد وأصل الزعامة. فالتوافق هو الأساس النفسي للزعامة ولكنه يعبر عن نفسه في الحياة اليومية ويقاس بلعبة الأخذ والعطاء التي يلعبها (الزعيم) وأتباعه ، الأخذ والعطاء بشقيه المادي والرمزي والمتجسد في مفهوم (التبادلية). فلقد إكتشف (ستراوس) في ثنايا دراساته وسط قبائل (النامباكورا) بالأمازون أنه بتبادل الهدايا والعطاء ينجح (النامباكورا) في إحلال التحالف..الهدايا والتجارة محل الحرب والعزلة والركود. لقد تقدمت المجتمعات بقدر ما كانت قادرة على تثبيت عقود العطاء والتلقي وإعادة الدفع. يستطرد (ليفي ستراوس) بأن العلاقات التبادلية هي أساس السلطة والتنظيم الثنائي والحرب والتجارة والقرابة. فكما للهدية قيمة طقوسية متمثلة في أن الإهداء شي آخر غير الإعطاء المباشر لأن الهدية شئ أكثر من المجموع البسيط لأجزائها ، إذ أن العطاء يقيم إلتزاماً بالمبادلة ، فهو (أي العطاء) متشرب بالأساس بدلالة رمزية كواقعة إجتماعية بين الأفراد والمجموعات وكذلك كدلالة قانونية وأخلاقية وإقتصادية وجمالية وكذلك دينية!!. كذلك للعطاء علاقة إجتماعية ملزمة لها طبيعة العقد بفضل الإلتزام بالتبادلية في جانب المتلقي. وهكذا كي نعلم أن تبادل الهدايا هو أصل (العقد الإجتماعي) ومن ثم أساس العلاقة بين الفرد والمجتمع. فلقد كانت الزوجة الأونسابية التي يقدمها السلطان السناري للمك المتوج تواً في أحد بلاطات أقاليمه في حد ذاتها قيمة رمزية طقوسية؟. يقول ليفي ستراوس أن نظام التبادل بين الأفراد والجماعات يقيم إلتزاماً يؤسس لنظام متكامل للأمان بين المجموعات المانحة والمجموعات المتلقية ، فحتى قبائل قبل التاريخ في نقطة ما قد حظرت إتيان المحارم (حتى قبل ظهور الأديان) لتوفير فائض من النساء للمشاركة في طقوسية ورمزية التبادل الزواجي مع الآخرين تحت قاعدة (إن تتزوج في الخارج لا تُقتل في الخارج)!!. ولنفس السبب كانت الحاكورة الدافورية هي حد التبادل بين السلطان ورعيته وهكذا دواليك. لذا وحين إنحلّت علاقات العطاء عبر النساء الأونسابيات لدى (الفونج) بإقصائهم بواسطة بادي الرابع ، وكذلك بتدني عطاء الحواكير منذ حقبة السلطان محمد الحسين بن محمد الفضل لم تعمّر المملكتان الوسيطتان كثيرا فسقط حكم الفونج وبشكل نهائي على يد الهمج في ١٧٦٢م ، وكذلك سقط حكم الفور على يد الزبير باشا في ١٨٧٤م. إذن فليس من الإكرام يا السيد/رئيس وزرائنا أن تنتظر من أهلنا بدارفور ولائهم في هذه اللحظة المفصلية من التاريخ دون طقسية تعبر عن إكرامك لعطائهم ، وليس الولاء في (عصرنا هذا) شيئا تجريدياً يصنعه فقط دَيْنُ المعنى لزعيم تقدح كارزمته أفئدة الأتباع فيقعون صرعى لبهائه الإلهي حيث لا أظن أنك تظن في نفسك (تَمَهدٍ) يفعل في الناس ما فعله مهدي الله في سودان القرن التاسع عشر!!.

حسناً.. وبالطبع يجوز لك الرد على ما سقته من حديثٍ أعلاه بأنك في قسطاسٍ يلزمك سوق جميع السودانيين بما ستسوق به مجموعات حركات دارفور على قدم المساواة ، وذلك وبألف ولام العهد ما نتوقعه منك جميعنا كسودانيين وليس شيئاً أقل من ذلك. ولكن بمثل ما أحوجك الموقف عقلاً فلسفياً لقراءة كلام كلود ليفي ستراوس المتقدِّم ، كذلك فإن هذه اللحظة من عمر بلادنا تحوجك عقلاً (براغماتياً) لا يقل (ألمعية) من عقلك الفلسفي. إن دارفور في هذه المرحلة من معركة الكرامة – التي أتيت أنت بالذات لتكون رافداً قوياً لزنادها – هي حجر رحى معركتنا القادمة بل لحمتها وسداها ، حيث تمثِّل قِوى هذه الحركات (المشتركة) موقع القلب لحسمها ، وهو ما يوجب على السيد/رئيس وزرائنا دفع إستحقاق يقدّره هو وليس شخص غيره لدفق شريان المعركة بدمٍ سياسي قوامه الترجيح والتوفيق والمفاضلة وهنا يكمن التحدي الأساسي لرئيس وزرائنا الذي لا يتجادل الناس اليوم حول مؤهلاته الأكاديمية ولا تجربته المهنية ولا علاقاته بأروقة المنظمات الأممية ، ولكنهم يتجادلون في حسيته السياسية ودربته في دواوين الحكم المدلهمّة في سودان يومنا هذا شديد الظلام كثيفه!!. وليس ذلك فحسب بل يتوجب على رئيس وزرائنا أن يصنع المستحيل لتمييز الفاصل بين القيمة الأخلاقية لأدائه والقيمة البراغماتية لهذا الأداء. فمن لدن محمد صالح الشنقيطي وما فعله مع الجنوبيين وإسماعيل الأزهري وحزب أشقائه وما فعلوه بنخبة الموظفين من الجنوب ، حيث لم يعد لنخبتنا السياسية المركزية في السودان من ذمة في نظر نخبة الأطراف إلّا متلازمة مولانا أبيل ألير (التمادي في نقض المواثيق العهود)!!.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.