أضواء ونوافذ / عامر حسن يكتب : / *نهج جديد يبشر بالتحول: حين تتحدث التعيينات بلغة الكفاءة والمؤسسية*
أضواء ونوافذ /
عامر حسن يكتب : /
*نهج جديد يبشر بالتحول: حين تتحدث التعيينات بلغة الكفاءة والمؤسسية*
عندما تحين ساعة التحول الكبرى، لا تحتاج الشعوب إلى وعود فضفاضة أو شعارات مستهلكة، بل إلى إشارات حقيقية على أن مسار الدولة قد تغير نحو البناء، وأن الرؤية باتت أكثر وضوحاً، والقرارات أكثر مسؤولية ، ومن خلال ما تشهده الساحة التنفيذية من تعيينات خلال الفترة الأخيرة، يمكن القول إن صدقت المؤشرات إن الدولة قد بدأت تسلك طريقاً مختلفاً، طريقاً أكثر جدية واحترافية، عنوانه الأبرز الرهان على الكفاءات، لا على الولاءات.
ان التعيينات التي سبقت من وزراء ومن ثم تلتها د. نبراس حسين في شركة سلعتي، ومن ثم د. جبريل ابراهيم ود. عبدالله درف في وزارة العدل، وغيرهم من الشخصيات المعروفة بالاستقامة والمهنية، لم تأتِ من فراغ، بل تعكس توجهاً جديداً يبدو مدروساً ومنسجماً مع تطلعات الشارع الباحث عن وجوه نظيفة قادرة على إحداث فرق حقيقي.
لا شك أن تأخر هذه التعيينات قد أثار كثيراً من التساؤلات، لكن إن كانت النتيجة قد أفرزت لنا هذه الأسماء الرفيعة، فإننا نقولها بصدق: كل تأخيرة فيها خيرة ، المهم ألا يكون التأخير عنواناً للارتباك، بل مدخلاً للتأني والاختيار على أسس صحيحة.
ما يلفت النظر في هذه التعيينات، أنها تشير إلى عمل منظم داخل دوائر اتخاذ القرار، وإلى اعتماد معايير مهنية لا سياسية بحتة، وهذا بحد ذاته تطور نوعي لم يكن مألوفاً في تجارب الحكم السابقة ، فكل اسم تم تعيينه مؤخراً جاء من خلفية ذات صلة مباشرة بالموقع المكلف به، مع سجل مهني وشخصي لا يحمل شوائب تعيق أداءه، ولا يرتكز على محاصصة أو توازنات تقليدية.
وأقولها بحرص شديد : إن تم تعيين الاستاذ أحمد عثمان حمزة وزيراً للبنية التحتية، والدكتور بشرى حامد احمد بشير وزيراً للبيئة والاستدامه ، فحينها ستكون الحكومة قد حققت خطوة كبرى نحو الإقناع الشعبي، وسيكون رئيس الوزراء في حل من كثير من الضغوط، لأن الرأي العام بدأ يدرك أن هنالك من يستمع إليه فعلاً، لا من يناوره بالكلمات.
في المقابل، من المقلق أن تظهر أصوات لا هم لها إلا النبش في الماضي، واستدعاء مواقف مجتزأة لأي شخصية يتم تعيينها، في محاولات مكشوفة للتشويه والتثبيط ، هذه الحملات، التي قد تبدو عفوية لكنها ممنهجة في بعض الحالات، لا تضر الأشخاص قدر ما تضر الوطن، وتصرف الناس عن التفكير في جوهر المسائل إلى الانشغال بالقشور.
من هنا نقول: لا نريد أن نبرز محاسن المعينين كدعاية عاطفية، بل نريد إبراز كفاءاتهم كحقائق مهنية ومؤسسية، في مواجهة حملات التضليل والانصراف عن القضايا الجوهرية ، الوطن لا يحتاج إلى شخصيات مزينة بالكلمات، بل إلى رجال ونساء قادرين على الصمود في الميدان، وإحداث التغيير بالأداء، لا بالتصريحات ،
ومن خلال استقراء ما تم حتى الآن من اختيارات، يتضح أن هنالك اتجاهاً ناضجاً داخل القيادة بثقة نحو إرساء نموذج حكم محترف، متحرر نسبياً من الضغوط التقليدية، يسعى لتكريس دولة المؤسسات والقانون ، هذه إشارات تبعث على التفاؤل، لكنها في الوقت ذاته تضع على كاهل المعينين مسؤولية كبيرة، لأن الناس لم تعد تحتمل الفشل مرة أخرى.
إن معركة الكرامة التي خاضها الشعب وجيشه، لم تكن فقط ضد المليشيا أو الفوضى، بل كانت معركة من أجل إعادة الاعتبار للدولة ، واليوم فإن مكتسبات الكرامة معلقة برقاب من تم تكليفهم ، ومن سيتم اختيارهم لاحقاً، وهي مسؤولية وطنية وأخلاقية تتطلب أقصى درجات الشفافية والانضباط، وتحقيق ما رسم له ان يكون بعناية فائقه،
وفي غياب المجلس التشريعي، تبقى الرقابة الشعبية هي خط الدفاع الأول ، هذا الشعب صبر كثيراً، لكنه يراقب، وهو قادر على التمييز بين الجاد والمتسلق، وبين من يعمل بصمت ومن يبحث عن الأضواء ، والقيادة مدركة أن الرصيد الشعبي لا يمنح، بل يكتسب عبر الأداء، وعبر الالتزام بمبادئ الدولة لا بشعارات المرحلة.
ومن المهم أيضاً أن نشير إلى ان الأمل لا يبنى بجيل واحد، الكفاءة ليست حكراً على من سبق، كما أن الحماسة لا تكفي إن لم ترفد بالخبرة ، لذلك نناشد القيادة أن تفتح الأبواب أمام الشباب، لا كديكور سياسي، بل كقوة حقيقية في عملية البناء ، الأمل يحتاج إلى الجيلين: من خبر المعارك وتعلم دروسها، ومن يحمل الحماس النقي والقدرة على التجديد.
لما سبق نؤمن أن البلاد اليوم ليست في وضع اعتيادي، بل في مفترق طرق تاريخي، يتطلب قرارات شجاعة، ومواجهة صريحة للواقع دون مواربة أو مجاملة ونحسب ان ذلك متوفراً بعزيمة وارادة قوية، المطلوب ليس المستحيل، بل فقط أن تكون معايير الدولة واضحة، ورؤية الدولة جادة، ومنظومتها قائمة على الكفاءة والنزاهة ،حينها فقط، سيمنحها الناس ثقتهم، وسينطلق الجميع في مشروع البناء بأمل لا يخبو.
*عامر حسن*
*11 يوليو 2025*