*حكومة الأمل…. آمال عراض في ظل وضع هش* بقلم د. احمد حسن الفادني
*حكومة الأمل…. آمال عراض في ظل وضع هش*
بقلم د. احمد حسن الفادني
في ظل تعقيدات المشهد السوداني ما بعد الحرب والصراعات السياسية والاجتماعية المتراكمة، أعلن رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس عن تشكيل ما أسماها بـ”حكومة الأمل”. هذا التوصيف، رغم أنه يحمل دلالة معنوية إيجابية، يضع الحكومة الجديدة أمام واقع اقتصادي وسياسي هش يتطلب تشخيصا متجردا وعقلانيا دون انحياز.
أولا: مفهوم “حكومة الأمل” بين الرمزية والواقع:
تسمية “حكومة الأمل” تعبر عن رغبة في تجاوز حالة الإحباط العام التي تسود البلاد،و لكن هل تكفي الرمزية لتغيير واقع متعدد الأزمات المتراكمة؟ فالواقع يشير إلى أن الحكومة تواجه تحديات مركبة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعل الالتزام ببرامج رئيس الوزراء تحديا حقيقيا، خاصة مع وجود وزراء ممثلين لاتفاق جوبا!!!.
ثانيا: التحديات السياسية الداخلية:
1. الخلافات داخل الحكومة نفسها:
– وزراء اتفاق جوبا يمثلون قوى مسلحة لها أجندات خاصة، بعضها قد لا يتقاطع بالكامل مع رؤية رئيس الوزراء.
– احتمالات التصادم بين أولويات مركزية (مثل وقف الحرب، واستعادة الاقتصاد) وأولويات إقليمية (مثل قضايا الترتيبات الأمنية أو حصص السلطة والثروة).
2. التهديدات السياسية:
– استمرار وجود مجموعات مسلحة خارج مظلة الدولة.
– التدخلات الإقليمية والدولية التي قد تؤثر على انسجام الحكومة الجديدة.
3. ضعف الثقة الشعبية:
– الشارع السوداني بات أكثر تشككا في الحكومات الانتقالية، وهو ما يجعل حكومة الأمل مطالبة بإثبات الجدية منذ اليوم الأول.
ثالثًا: التحديات الاقتصادية:
1. يعيش السودان وضعا اقتصاديا هشا للغاية، تلخصه المؤشرات التالية:
– انهيار العملة الوطنية وتآكل الاحتياطات النقدية.
– تدمير البنية التحتية الحيوية في معظم ولايات البلاد.
– توقف الإنتاج الزراعي والصناعي في مناطق واسعة.
– ضعف الخدمات الأساسية (صحة، تعليم، مياه، كهرباء).
– تراجع الاستثمارات المحلية والخارجية.
– اتساع سوق الاقتصاد الموازي والسوق السوداء.
2. أبرز العقبات الاقتصادية أمام الحكومة:
– محدودية أدوات الحكومة المالية والنقدية بسبب ضعف الجهاز المصرفي والمالي.
– صعوبة السيطرة على الأسواق في ظل ضعف الرقابة.
– الحاجة إلى تمويل عاجل لإعادة الإعمار والخدمات الأساسية.
رابعا: مدى التزام وزراء اتفاق جوبا ببرامج الحكومة الجديدة:
حتى اللحظة، لا توجد مؤشرات حاسمة تثبت أن جميع الوزراء القادمين من اتفاق جوبا سيلتزمون بالكامل ببرامج الدكتور كامل إدريس. هناك احتمالات واقعية لظهور تباينات في المواقف والقرارات خاصة في ما يلي:
– توزيع الإيرادات والموارد بين المركز والأقاليم.
– إدارة ملف العلاقات الخارجية، خاصة تلك التي تمس قضايا الأمن الإقليمي.
– قضايا العدالة الانتقالية والمحاسبة.
خامسا: الحلول الممكنة لإنقاذ البلاد وفق جهود حكومة الأمل:
رغم صعوبة الظرف، هناك حزمة من الإجراءات العملية التي يمكن أن تضع السودان على مسار الاستقرار:
1. تفعيل اتفاق سياسي جامع: بضرورة توفير مظلة سياسية أوسع تضم جميع القوى دون إقصاء، مع آلية مراقبة تنفيذ البرامج.
2. خطط إسعاف اقتصادي عاجلة: اعتماد سياسات نقدية مرنة بالتنسيق مع المؤسسات الدولية،بتفعيل الإنتاج الزراعي والصناعي عبر مبادرات دعم فوري،وتحفيز المغتربين للاستثمار وتحويل الأموال عبر القنوات الرسمية.
3. ترتيبات أمنية متدرجة: دمج الحركات المسلحة المختلفة في جيش وطني موحد.
4. برنامج خدمات أساسيات سريع: إطلاق خطة 100 يوم لإعادة تشغيل المرافق الحيوية ( مستشفيات، مدارس، محطات مياه).
5. مكافحة الفساد والاقتصاد الموازي: عبر آليات رقابة جديدة شفافة.
سادسا: التأثير السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتوقع:
1. سياسيا: يمكن أن تسهم الحكومة في خلق تهدئة نسبية لكن تبقى المخاطر قائمة إذا لم يتم احتواء القوى غير الموقعة على الاتفاق.
2. اجتماعيا: الشعب السوداني يعاني من إرهاق عام، وأي فشل إضافي قد يؤدي لموجات جديدة من الهجرة الداخلية والخارجية.
3. اقتصاديا: النجاح الاقتصادي مرتبط بمدى توفر تمويل دولي سريع وخطة وطنية شفافة لإعادة الإعمار.
ونقول في الختام ممكن ان نلخص بنشخيص أن حكومة الأمل ليست عصا سحرية، لكنها تظل خطوة ضرورية لفتح نافذة في جدار مسدود و نجاحها مشروط بعوامل داخلية وخارجية ،و أهمها القدرة على توحيد الرؤية داخل مكوناتها، الانفتاح على القوى المجتمعية، وتبني برنامج اقتصادي حقيقي لا يعتمد فقط على الوعود، بل على أدوات تنفيذ واضحة ومحكمة ومسنودة بارادة قوية وحقيقية .