د. مجدي السليابي المحامي يكتب : *أجهزة الدولة وتنفيذ أحكام القضاء ..*
د. مجدي السليابي المحامي يكتب :
*أجهزة الدولة وتنفيذ أحكام القضاء ..*
نعني بأجهزة الدولة ،{ الوزارات والمصالح وسائر الوحدات الإدارية للدولة والهيئات والمؤسسات العامة وأجهزة الحكم القومى والولائى والمحلى وشركات القطاع العام }. وذلك بحسب ما نصت عليه المادة 3 من قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 2017م…
كثيرا ما تُفضِي ممارسة هذه الأجهزة لمهامها إلى منازعات قانونية منها ما يعالج داخليا أمام وزارة العدل كمستشار قانوني للدولة ومنها ما يصل إلى سوح القضاء ويحوز على أحكام قضائية نهائية ذات قوة وحجية واجبة التنفيذ،، وهنا تبرز أهمية تمسك الدولة بنهج مبادىء سيادة حكم القانون، لأن هنالك شعور يتولد وينمو لدى بعض قيادات الأجهزة التنفيذية بأن لأجهزتهم حماية وحصانة تجعلها تمانع تنفيذ أحكام القضاء وهذا بالتأكيد مفهوم خاطىء ويعرض من يقتنع به ويمارسه إلى المساءلة القانونية على المستوى الشخصي وليس الإعتباري، ففي دولة سيادة حكم القانون الجميع سواء أمام أحكامه.. وإن إحترام أحكام القضاء وتنفيذها ، “متى ما حازت على قوة وحجية الأمر المقضي فيه” ، من المبادىء الراسخة وأمر لاجدال حوله ولاحصانة تحول دونه.
ولكن للحقيقة نشهد بأن هنالك الكثير من الشواهد الطيبة في نماذج تعامل بعض أجهزة الدولة مع أحكام القضاء والمسارعة إلى تنفيذها نذكر منها على سبيل المثال إستجابة عدد من الأجهزة الرسمية للأحكام التي قضت بإلغاء قرارات الفصل التعسفي للكثير من موظفي الخدمة العامة الصادرة بفعل لجنة إزالة التمكين : {كالقضائية والعدل وشركة الكهرباء ووزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم وغيرها من المؤسسات الأخرى } ، بل نجد أن بعض قادة المؤسسات قد إجتهدوا بقوة في تنفيذ الأحكام وسعوا إلى تدخل وزارة العدل بحكم الإختصاص طالبين الإفتاء الذي يرشدهم الى تطبيق صحيح القانون ونذكر هنا قرار السيد وكيل وزارة العدل بالرقم 9 / 2022م الخاص بمراجعة فتوى السيد المحامي العام رقم 64 / 2022م حول طبيعة قرارات لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واستراد الأموال العامة، وكان ذلك بطلب من السيد محافظ بنك السودان المركزي والخاص بالقرار 492 / 2021م بإنهاء خدمة موظفين مذكورين فيه، حيث صدر قرار السيد وكيل العدل رقم 9/ 2022م بقبول إستئناف بنك السودان وإلغاء فتوى المحامي العام لجمهورية السودان وتأييد الرأي الصادر عن الإدارة القانونية وإخطار مقدم الطلب ، وعلى ضوء ذلك قام البنك بتنفيذ الحكم وارجاع الموظفين إلى العمل…
ونحن إذ نذكر النماذج المشرقة في نهج بعض أجهزة الدولة تجاه أحكام القضاء نشير أيضاً إلى بعض النماذج المظلمة التي تمثل نموذج الممانعة والمماطلة في تنفيذ أحكام القضاء رغم قوتها وحجيتها المطلقة ونذكر هنا الحكم النهائي البات الصادر من دائرة الطعون الإدارية بالمحكمة العليا بتأريخ 24/ مايو / 2022م بشأن مجموعة من ضباط الشرطة السودانية تم فصلهم تعسفاً في فبراير 2020م ، ورغم ان الحكم المشار إليه قد تم الإقرار به من الدولة ممثلة في السيد وزير العدل المكلف حينها بحسب الفتوى رقم 16/ 2022م ، حيث اقرت الفتوى بأن : (حكم المحكمة المختصة قد وافق صحيح القانون ) ، وقررت تنفيذ الحكم ووجهت المحامي العام بمتابعة التنفيذ. إلا أن جهاز إنفاذ القانون الذي ينتسب إليه هؤلاء الضباط المحكوم لصالحهم قد مانع في التنفيذ وتقدم بإستشكالات تفيد بعدم وجود شواغر وظيفية وهو أمر لن يصمد كثيرا أمام صحيح تطبيق القانون، وحتى عندما شرع الجهاز المعني في الإستجابة للتنفيذ كان ذلك عبر لجنة إدارية يبدو أنها لم تراع قوة وحجية الحكم القضائي وما ارساه من حقوق ثابته للمحكوم لهم وغضت الطرف تماما عن فتوى وزارة العدل ، واخذت بالإستشكال المذكور وخلصت إلى تسوية ضعيفة من طرف واحد دون إشراك أصحاب الشأن ، الأمر الذي أدى إلى إجهاض الحقوق المكتسبة بمقتضى قوة الحكم القضائي وحجيته ، وهذا أمر لا يستقيم ولا يحقق الحلول المنصفة، فلو إفترضنا القبول بالمعالجة الودية فهذا قطعاً يعني الإقرار بكافة مستحقات الضباط الإدارية والمالية بالمعدلات المعمول بها لحظة التوصل للمعالجة مضافاً إلى ذلك تعويض مجزٍ جابر للأضرار التي تعرض إليها الضباط بسبب الفصل غير القانوني.. فالسوابق القضائية قد أرست بأنه :{ لايصح أن تُتَخذ المنازعة وسيلة لإهدار ما للحكم من حجية، والقاعدة أن كل ما يدخل في نطاق الحجية لايصلح أن يكون سببا للمنازعة }، راجع سابقة مجموعة شركات روبرت (ضد) عماد أبايزيد ،، قضية نمرة : م ع/ ط م/ 2 / 2004م .. المحكمة العليا ، العدد: 2004م.
ونحن الآن نعيش في ظل دولة تعظم من مبادىء الفصل بين السلطات ونستبشر بحكومة (أمل) جديدة جعلت من مبدأ (دولة سيادة حكم القانون ) شعاراً لها ، لذا يحدونا الأمل كثيرا في أن تبادر القيادة العليا للدولة والجهاز المدين إلى تنفيذ هذا الحكم الذي يمثل التحدي الرئيسي أمام المصداقية تجاه مبادىء: ( الفصل بين السلطات وسيادة حكم القانون )، والله المستعان…
دكتور/ مجدي السليابي المحامي.
الخميس 11/ سبتمبر 2025م.