*الرباعية.. جنازة الأبيض ضلّت مساعيها في حياتها وساءت نهايتها* منال الأمين تكتب
*الرباعية.. جنازة الأبيض ضلّت مساعيها في حياتها وساءت نهايتها*
منال الأمين تكتب
في المشهد السوداني المعاصر، يتكرر ذات السيناريو الذي عرفه أهل البلاد منذ عقود: تدخلات خارجية تسعى إلى فرض وصايتها على شعبٍ عُرف بالصلابة والعناد أمام محاولات الكسر والإخضاع. واليوم، جاءت ما تُعرف بـ”الرباعية” لتعيد إنتاج ذات الأسطوانة المشروخة، محاولة أن تُلبس وصايتها ثوب الإنسانية، وأن تُسَوّق ضغوطها على أنها مبادرات سلام.
غير أن السودان خبر مثل هذه التدخلات من قبل: من محاولات الاستعمار البريطاني أن يُمسك بخيوط السياسة المحلية، إلى المشاريع الدولية التي حاولت تمزيق النسيج الوطني عبر ما سُمّي يوماً بـ”السلام المفروض”. كلها باءت بالفشل، لأن السودانيين ظلوا أوفياء لشعارهم القديم: لا وصاية على سيادة وطنهم.
الرباعية اليوم أشبه ما تكون بجنازة الأبيض الشهيرة، تلك التي لم تجد من يودّعها أو يحزن عليها، لأنها بلا أهل ولا سند. فقد جاءت هذه التكتلات وهي تظن أن بإمكانها جمع شتات التمرد المتهالك، لكنها فوجئت بواقع مغاير: قوات مسلحة ثابتة على الأرض، وإرادة وطنية لا تلين، ومجتمع بدأ يقرأ المشهد بعين الناقد لا بعين المنخدع بالشعارات.
لقد حاولت الرباعية أن تعيد إنتاج نفسها عبر “هدنة” ظاهرها الرحمة وباطنها المؤامرة، لكن السودان كشف المستور، وأدرك أن الغرض الأساسي هو إعادة ترتيب صفوف المليشيا، ومنحها قبلة حياة بعد أن بدأت تترنح تحت ضربات الجيش. وهنا تكررت المشاهد التاريخية: كما فشلت مشاريع الخارج في دارفور من قبل، وكما انطفأت نار التدخلات في جنوب السودان بعد أن تركت وراءها جروحاً غائرة، كذلك سيشيع السودانيون الرباعية إلى مثواها الأخير.
إن مأساة الرباعية أنها ضلّت مساعيها في حياتها السياسية، فلم تُقنع أحداً بجدواها، ولم تستطع أن تُخفي سوء نيتها خلف الشعارات المنمقة. واليوم، تُسجَّل نهايتها في ذاكرة السودانيين كدرس جديد يضاف إلى سلسلة دروس المقاومة الوطنية: لا صوت يعلو فوق صوت السيادة، ولا قرار يعلو على قرار الشعب.
ومثل جنازة الأبيض التي فقدت هويتها وتركها أهلها، تُشيَّع الرباعية بلا دمعة واحدة، وبلا أثر سوى صفحات من الفشل السياسي والخذلان الاستراتيجي. لقد انتهت إلى سوء الخاتمة، لتكون مثالاً جديداً على أن السودان مهما أحاطت به قوى الخارج، يبقى عصياً على الانكسار