*السودان يتحدث بصوت العالم* ✍️ د. الشاذلي عبداللطيف
*السودان يتحدث بصوت العالم*
✍️ د. الشاذلي عبداللطيف
حين وقف رئيس مجلس الوزراء الانتقالي كامل الطيب إدريس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يكن مجرد مسؤول يخاطب قاعة مكتظة بالدبلوماسيين، بل كان صوت السودان كله يتردّد تحت قبة أكبر منبر عالمي. لقد حمل الرجل همّ الوطن، ورفع راية الحق، وأعاد الاعتبار لكرامة الشعب السوداني وهو ينادي بوضوح: أوقفوا تدفق السلاح إلى المليشيا، أوقفوا جرائمها، وساندوا شعبًا صامدًا يواجه محنته بثبات لا يلين.
هذا الخطاب لم يكن شكوى ولا استجداء، بل كان بيان قوة يعبّر عن وطن قرر أن يمسك زمام أمره بيده. كان إعلانًا بأن السودان، رغم الجراح، لا يزال يملك إرادة سياسية حقيقية، وخارطة طريق واضحة المعالم نحو السلام والديمقراطية، تبدأ بوقف إطلاق النار وانسحاب المليشيا من المدن، وتمر بعودة النازحين عودة كريمة وآمنة، وتنتهي عند أبواب الحرية والانتقال المدني المستقر.
لقد كان لافتًا أن رئيس الوزراء لم يتحدث بلغة السياسة الملتبسة، بل بلغة الإنسان السوداني البسيط الذي هُجّر من داره، وفُقد له قريب، أو ضاع رزقه بسبب الحرب. كان حديثه صادقًا، وصدق الكلمة هو ما يجعلها تصل إلى القلوب قبل العقول. ومن هنا، كان الخطاب بمثابة انتصار معنوي، لأن العالم استمع هذه المرة إلى السودان من فم أبنائه لا من ألسنة الوصاية أو التدخلات الخارجية.
إن ما أسعدنا حقًا في كلمته هو الوفاء بالعهد الذي قطعه القائد العام بتسليم رئاسة الوزراء لشخصية مدنية بسلطات مستقلة، ترسيخًا لقيم الحكم المدني. فهذه الخطوة ليست حدثًا بروتوكوليًا، بل مفتاح أمل جديد في أن السودان يسير بثبات نحو دولة مدنية ديمقراطية تعكس إرادة الشعب وتضحياته.
اليوم، يمكننا أن نقول بكل فخر: لقد عاد السودان إلى المنابر الدولية مرفوع الرأس، يتحدث عن نفسه بنفسه، ويدافع عن شعبه بلسان صادق ووطن حرّ. وما على المجتمع الدولي إلا أن يدرك أن هذا الصوت هو صوت أمة لا تُكسر، وأن دعم السودان ليس خيارًا إنسانيًا فحسب، بل واجبًا أخلاقيًا وسياسيًا.