*حمى الضنك في الدامر .. كان طارن غنم !!!* *َكتب د. محمد صالح الشيخابي.. إستشاري الجهاز التنفسي بمستشفى الشعب التعليمي

*حمى الضنك في الدامر .. كان طارن غنم !!!*

 

*َكتب د. محمد صالح الشيخابي..

إستشاري الجهاز التنفسي بمستشفى الشعب التعليمي..

لكي تقوم بتجريب دواء أو بروتوكول علاجي جديد على البشر فإن لذلك خطوات علمية معروفة و دقيقة و قاسية الشروط لأن حياة الناس ليست عبثا ً قابلا ً للتجريب و الخطأ .. أولا ً : هذا الخطوات تتضمن أولا قبل كل شيء أخذ الموافقة و الإذن من المرضى ( كتابة ) written consent و ان يكونوا على علم أنهم ضمن تجربة العقار الجديد أو البروتوكول الجديد ..

ثانيا : يجب اخذ الإذن من الجهة المسؤولة من النظام الصحي في المنطقة أو المستشفى ethical clearance

ثالثا: يجب اتباع الأساليب العلمية المنصوص عليها من حيث منهجية البحث العلمي و خطواته ..
Research methodology

رابعا : الشخص صاحب التجربة أو البحث ليس هو من يقوم بتقييم نجاح تجربته من عدمها و إلا سيكون هو الخصم و الحكم !!!

خامسا ً : لا بد جهات محايدة هي من تقوم بتحليل خطوات البحث العلمي للدواء و يسمى التحليل البعدي ( _ meta – analysis) و تثبت فعالية الدواء أو البروتوكول او عدم فعاليته و آثاره الجانبية تمهيدا ً لإجازته و إعلانه .

سادسا ً : حتى هذه الجهات المحايدة تتبع إجراءات معينة لضمان عدم التحيز لصالح صاحب التجربة أو ضده ..

سابعا ً : إن أعلى البحوث العلمية و افضلها من ناحية الموثوقية العلمية هي التي تأتي فيها جهة ثالثة لتقوم بتقييم التحليل الذي أجرته الجهة الأولى و الجهة الثانية ( meta-meta analysis)

ثامنا ً بعد أن تكتمل كل تلك الخطوات يتم نشر البروتوكول الجديد أو الدواء الجديد في مؤتمر علمي أو ورقة علمية مُحكمة عبر القنوات الرسمية و المجلات و الدوريات العلمية المعروفة..

نأتي إلى لب الموضوع:

ما يثار حول وجود بروتوكول علاجي جديد في الدامر لم يتبع أيا ً من تلك الخطوات .. فقط تسجيل صوتي يقسم صاحبه بأغلظ الأيمان بأن وحدته قد نجحت في علاج المرضى لمدة عامين بهذا البروتوكول مع كمية من ارقام هواتف لأطباء ..!!!

و هنا نقول : لكل الناس و لهذا الزميل المحترم نحن نقدر جهدكم و لكن :
١. البروتوكول المنتشر للزميل المذكور يحوي عقار البندول و هو اصلا منصوص و متفق عليه أما بقية العلاجات المذكورة فتخالف بروتوكولات منظمة الصحةالعالمية و وزارة الصحة…
٢. حمى الضنك مرض فيروسي و المضادات الحيوية المذكورة في البروتوكول المنشور هي لعلاج الالتهابات البكتيرية والمضادات هذه استخدامها بدون داعي يقلل المناعة و يضر بالمريض.
٣. الالتهابات الفيروسية في مراحلها الأولى تعالج بالراحة التامة و التغذية الجيدة و الإكثار من شرب السوائل و العصائر الطبيعية و الفواكه و استخدام (بعض) مخفضات الحرارة مثل البنادول ..و بعد ذلك يتم تقييم حالة المريض و اتخاذ قرار بشأن بقاءه بالمستشفى او تخريجه للمنزل مع التنبيه على ضرورة العودة للمستشفى حال ظهور علامات الخطورة و يتم تثقيف المريض بها ..
٤. حمى الضنك هو مرض فيروسي و ليس بكتيري و المضادات الحيوية مصممة لقتل البكتريا فإذا لم يكن بالجسم بكتريا فإن الآثار الجانبية للمضادات الحيوية القوية مثل السامكسون و الازثرومايسين المذكورين في البروتوكول المنشور قد تكون خطيرة و اخطر مضاعفات المضادات الحيوية التي تؤخذ بلا داعي انها قد تقتل البكتريا النافعة و المتعايشة طبيعيا ً في الجسم مما يجعل الفيروس يتمدد و يتغذى على حساب المساحات التي كانت تشغلها البكتريا النافعة المتعايشة مع جسم الإنسان وكذلك قد يسبب استخدام المضادات الحيوية البكتيرية القوية جدا ً مثل السامكسون قد يسبب أمراضا ً خطيرة جدا ً مثل التهاب القولون ذو الغشاء الكاذب و هو مرض خطير و قد يكون قاتلا ً.
٥. يحاول البعض على طريقة النكتة( كان طارن ..برضو غنم ) !! يحاولون الدفاع عن فكرة صاحب التسجيل رغم مخالفتها لكل بروتوكولات حمى الضنك المتبعة في كل العالم و يستدلون باستخدام البعض للبنسلين المائي لعلاج بعض الالتهابات الفيروسية و هنا نقول أن وجود الخطأ في مكان آخر أو إن فعله شخص آخر قبلك فإن ذلك لا يجعله صحيحا و يحاولون المقارنة ببروتوكولات الكورونا وغيرها و هو استدلال خاطئ حيث أن المضادات الحيوية لا تستخدم في الكورونا إلا إذا حدث التهاب بكتيري في المرحلة الثانية من المرض.
٦. حمى الضنك وباء عالمي معروف و البروتوكولات العلاجية الخاصة به معروفة و متفق عليها و ليس من بينها ما ذكره الزميل المحترم من مضادات حيوية و فيتامينات و كالسيوم و غير منصوص عليها عالميا ً و ليس من بين ما ذكر شيء صحيح سوى عقار البنادول ..
٧. التسجيل الصوتي لم يتحدث عن ضرورة الراحة و التغذية و الإكثار من السوائل و لم يتحدث عن علامات الخطورة و متي يجب نقل المريض للمستسفى و اغفل كذلك الحديث عن متابعة المريض داخل المستشفى بالكشف اليومي و الفحوصات و متابعة العلامات و فحص الدم الشامل و الصفائح الدموية و غيرها كما اغفل الحديث عن سبل الوقاية من المرض و مكافحة العدوى .
٨. حفل التسجيل الصوتي للزميل بكمية من الحلف و القسم بإسم الجلالة و هذا لا يعد دليلا علميا ً و حتى لو كان صادقا ً في حليفته و قسمه و تعافى كثيرون بهذا البروتوكول فما أدرانا انهم لم يتعافوا بمقاومة الجسم و مناعته الطبيعية او بالراحة و التغذية و السوائل و البندول كما انه لا يمكن لمجرد أن يتعافى كمية محدودة من المرضى بعلاج ما أن نعممه على البشر بدون اتباع الخطوات العلمية المذكورة أعلاه..
٩. نتمنى من الزميل المحترم أن يكشف عن الورقة العلمية أو البحث العلمي الذي أجراه قبل أن يبدأ في علاج الناس بهذا البروتوكول الغريب الذي يخالف العلم و المنطق و يخالف بروتوكولات منظمة الصحة العالمية و كل بلدان العالم ..
١٠. ليس الأمر شخصيا و لا نعرف هذا الزميل المحترم و لكن التسجيل منتشر في الميديا و لذا وجب علينا التحذير و والتوضيح و مع التسجيل يوجد منشور كتابي مع أرقام هواتف لأطباء !!! الشيئ الذي يثير الريبة أكثر فكيف يتم علاج وباء خطير مثل حمى الضنك بالتلفون بل كيف يتم تشخيص الامراض عن طريق الهاتف اصلا ً ..؟؟؟؟؟؟؟؟

و أخيرا إذا كان البعض يتحجج بظروف البلاد و الحرب فإن ذلك لا يتيح لطبيب تجربة بروتوكول علاجي على الناس دون اتباع الخطوات العلمية المعروفة المؤكدة فحتى في حالات الكوارث و الأوبئة هناك ما يسمى ب *(( الإجازة الطارئة للأدوية))* تقوم بها الجهات المسؤولة ..
و ختاما ً ندعو الجميع للعمل ببروتوكول وزارة الصحة الذي تم استقاؤه من بروتوكول منظمة الصحة العالمية و المعمول به في كل دول العالم.

و الله من وراء القصد …

*د. محمد صالح الشيخابي..*
إستشاري طب الجهاز التنفسي و الإقلاع عن التبغ.
عضو لجان مكافحة التبغ و المخدرات بوزارتي الصحة الاتحادية و الولائية..
ناشط في مجال التثقيف الصحي و مكافحة التبغ و المخدرات و الأوبئة ..
سبتمبر 2025..