زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة *المزروب… رقمٌ جديد في سلسلة المجازر التي عرّت التحالف وفضحت المليشيا*
زاوية خاصة
نايلة علي محمد الخليفة
*المزروب… رقمٌ جديد في سلسلة المجازر التي عرّت التحالف وفضحت المليشيا*
في سجلٍ أسودٍ تتراكم فيه الدماء كصفحاتٍ من الجحيم ، تضاف اليوم إلى ذاكرة الوطن مجزرة جديدة ارتكبتها المليشيا في المزروب بشمال كردفان ، حيث استهدفت بدمٍ بارد قياداتٍ أهلية كانت تعقد اجتماعًا بمسيرةٍ انتحارية ، برئاسة الأمير سليمان جابر جمعة سهل ، ورفاقه من الرموز المجتمعية الذين قضوا نحبهم شهداءً الأمير أبوركوك ، بخاري مشاور ، النيل إبراهيم ، محمد إبراهيم ، جمعة مردس ، عبود حاج محمد ، حاج عبيد ، محمد السيد ، خليفة مفرح ، عبدالباقي فرج ، وغيرهم ممن لم يُحصَ بعد .
كانت الجريمة مدروسة بعناية ، وبسابق إصرارٍ وترصّدٍ لا يليق إلا بعقلٍ مهووسٍ بالانتقام والتصفية ، عقلٍ لم يعد يرى في الإنسان إلا هدفًا متحركًا يصوَّب نحوه الرصاص ، والمليشيا التي احترفت القتل تحت لافتة الحرية والمدنية ، لا تزال كل يوم تغرق أكثر في دماء السودانيين ، حتى باتت جرائمها خريطةً من الرعب تمتد من دارفور إلى الجزيرة ، ومن الخرطوم إلى المزروب في كردفان ، مجازر تتكرر بأسماء مختلفة ، ود النورة ، الحرقة ، ود العشا ، العيدج ، الفادنية ، زمزم ، الجنينة ، جلقني … مئات القرى والمدن التي خُطَّت على ترابها شهادات الدم واحدة وإن تغيّرت الجغرافيا .
المدهش والمقزّز في آنٍ واحد ، أن أصواتًا ما زالت تتحدث عن التسوية ، والحوار ، إلغاء البلاغات ورفع الحظر عن استخراج الأوراق الثبوتية ، لهؤلاء القتلة ومن تماهى معهم ، وعن عودة المليشيا إلى المشهد السياسي بوجهٍ جديدٍ ومسمّى مختلف ، يحدثوننا اليوم عن لجنةٍ سيشكلها البرهان للحوار مع المكونات السياسية ، بينما في ذات اللحظة تُزهق الأرواح في المزروب ، يتحدثون عن مكون تأسيس الجناح السياسي للدعم السريع ، وعن تحالف صمود ، الذي يتولى مهمة تلميع القاتل وإعادة إنتاجه في ثوبٍ مدنيٍّ ناعم .
تحالف صمود هو الوجه الآخر للمليشيا ، المليشيا تقتل في الميدان ، وصمود تبرر في الإعلام ، المليشيا تزرع الرعب في القرى ، وصمود تزرع الأكاذيب في الرأي العام ، تبادلٌ للأدوار لا يخلو من غباءٍ سياسيٍّ مفضوحٍ ورخيص ، هدفه الوحيد هو إحياء حلمٍ قديمٍ بالسلطة ، مهما كان الثمن .
حين تحرّك ترامب في اتجاه الشرق الأوسط ، ووقّع اتفاق سلام غزة ، انتعش خيال هؤلاء ، فتصوّروا أن السودان سيكون غزة القادمة ، وأن واشنطن ستفرض اتفاقًا جديدًا يحملهم إلى السلطة على أكتاف الدماء ، ما هذا التفكير الطفولي الذي يتربع على عقول صمود والمليشيا معًا ؟ ، هل يظنون أن أرواح الأبرياء ستُمحى بتغريدة أو بيان ؟ ، وهل يظنون أن دماء أهل السودان ستغسلها مشاريع التجميل والتزييف التي يتبناها شركاؤهم في التحالف .
إن ما حدث في المزروب ليس حادثةً معزولة ، بل امتدادٌ لمنهجٍ قديمٍ في القتل والإفلات من العقاب ، المليشيا لم تتغير ولن تتغير ، والذين يتحدثون اليوم عن المصالحات والمفاوضات واللجان المشتركة ، عليهم أن ينظروا أولًا في وجوه الأطفال الذين تيتموا ، وفي عيون الأمهات اللواتي ودّعن أبناءهن بلا كفن ، وفي الأرض التي ارتوت بالدماء وهي تشهد على خيانة من باع الوطن باسم السلام والديمقراطية .
سلامٌ على الشهداء ، وخزيٌ على القتلة ، وسقوطٌ مدوٍّ لكل من يحاول غسل أيدي المليشيا من الدماء ، أما تحالف صمود ، فقد سقط قناعه هو الآخر ، مع الطلقة الأولى التي أطلقتها المليشيا ، وبات شريكًا كاملاً في الجريمة ، شريكًا في التبرير ، وفي التخطيط ، وفي تلميع القتلة على حساب الوطن .
المزروب ليست مجرد مجزرة فحسب … إنها مرآة تعكس إلى أي مدى يمكن أن ينحدر البعض في سبيل الكرسي ، حتى لو كان الطريق إليه مفروشًا بجثث الأبرياء … لنا عودة .