منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

خبر و تحليل – عمار العركي *زيارة عبدالمعطي… بين التحليل الفطير والفهم الخطير*

0

خبر و تحليل – عمار العركي

 

*زيارة عبدالمعطي… بين التحليل الفطير والفهم الخطير*

* في زمنٍ تتداخل فيه السياسة بالإعلام، ويختلط فيه التحليل السياسي بالتضليل الإعلامي، أصبحت الكتابة عن العلاقات بين السودان ومصر ساحة مفتوحة لكل من يفتي فيها فيما لا يعلم، ويحللها دون أدوات التحليل التقليدية، ناهيك عن تحليل علاقة دولتين بكل أبعادها الشعبية والمصيرية والتاريخية والأزلية والاستراتيجية. لا يستقيم تحليل هذه العلاقة بذات أدوات التحليل المستخدمة في تقييم العلاقات الأخرى بين الدول. ما أكثر التحليلات التي تتناول قضايا استراتيجية بتسطيح، وبمنطق المزاج والانطباع، وما أخطر أن تكون العلاقة بين الخرطوم والقاهرة — أو قل بين بورتسودان والقاهرة في ظل الحرب — موضوعًا للتجريب الصحفي والتحليل الفطير.
* تُقدّم عدة مقالات تناولت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى بورتسودان مثالًا واضحًا على هذا الخلل، حيث يختلط التوثيق بالانطباع، والسرد بالتحليل، فتبدُو النصوص أقرب إلى روايات ذاتية منها إلى قراءة سياسية تُضبط بمعايير التحليل والتقييم الموضوعي. العلاقات بين السودان ومصر ليست قضية تُقاس بالبروتوكول أو بمخرجات البيانات الرسمية، ولا بمدى حرارة التصريحات أو عدد الصور. ومع ذلك، يتعامل بعض الكتّاب مع أي زيارة أو لقاء رسمي كما لو كان مشهدًا دراميًا، فيُسقطون عليه ظنونهم ويستخلصون منه نتائج مسبقة لا تقوم على معلومة ولا منهج.
* وهكذا يتحول التحليل إلى تعبير عن رغبة وغاية وعاطفة لا عن فهم واقعي للمعادلات والتوازنات الإقليمية والتقاطعات المتشابكة.
* زيارات وزير الخارجية المصري المتتالية امتداد لمسار دبلوماسي مصري متصاعد – بهدوء وحذر فائق- في إطار مساعي مصرية لإعادة تموضعها وضبط توازنها في الملف السوداني بعد أن تغيّرت معطيات المشهد الميداني والسياسي. فمصر تنشط — بحذر — في الحفاظ على مصالحها المرتبطة مصيريًا وعضويًا بمصالح السودان، دون الاصطدام بالمتغيرات السابقة والتحولات اللاحقة التي أفرزتها الحرب، إضافة إلى استعادة نفوذها المفقود وإثبات حضورها السياسي والدبلوماسي وسط ضغوط دولية وإقليمية كثيفة. من هنا كانت الزيارة الأخيرة وما سبقها من زيارات.
* اللافت أن الكتّاب والمحللين الذين هاجوا وماجوا في الزيارة السابقة للوزير المصري عندما أشار إلى “الرباعية” (مصر، السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة)، واتهموه آنذاك بالانحياز أو الخضوع للضغوط، هم أنفسهم الذين صمتوا تمامًا في زيارته الأخيرة، عندما لم يأتِ على ذكر الرباعية لا تصريحًا ولا تلميحًا. لم يتوقف هؤلاء عند هذا التغير الجوهري، ولم يسألوا: هل يعني ذلك تحولًا في الموقف المصري؟ أم مراجعة لسياساتها السابقة؟
* غياب قراءة وتحليل هذه الملاحظة وحده كافٍ ليكشف أن كثيرًا من الأقلام لا تكتب لتحليل الحدث، بل لتأكيد موقف مسبق؛ متى ما تعارض الواقع معه تجاهلته ببساطة. وهكذا يصبح “التحليل” انتقائيًا ورغبوياً، ينتصر للهوى لا للحقيقة، فيفقد القارئ ثقته بالإعلام السياسي، وتضيع فرصة بناء وعي عام متزن يدرك عمق العلاقات وتعقيداتها.
* التحليل الرصين لا يقف عند حدود المعلومة، بل يسعى لفهم دوافعها وسياقاتها، بينما التحليل الانفعالي يركّز على الأشخاص وينظر إلى السطح؛ فيُفرط في المديح حينًا، ويُفرط في الشك حينًا آخر، وكأن العلاقات بين الدول تُدار بالعواطف والتسطيح لا بالمصالح. ومع الأسف، كثير من المقالات الأخيرة سقطت في هذا الفخ، فحوّلت قضايا استراتيجية إلى منابر للانطباع والارتجال.
* العلاقة بين السودان ومصر ليست قضية خلاف أو تقارب ظرفي، بل مسار مصيري يتأثر بكل متغير في المنطقة. بالتالي لا يمكن قراءة الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المصري بمعزل عن هذا السياق؛ فهي خطوة في مسار طويل من إعادة التموضع والتفاهم، لا إعلانًا لتغيير جذري.
* المطلوب من الأقلام أن تتحرر من الانفعال، وأن تعود إلى التحليل المنهجي المتزن القائم على المعلومة، والمصلحة المشتركة ، والرؤية الواضحة. ففي قضايا البلدين المصيرية ، لا يُقبل الفطير..ولا يُغتفر الخطير.
*_خلاصة القول ومنتهاه_ :*
* لا أحد يدرك حجم ما يُحاك ويُخطط له من تهديدٍ واستهدافٍ على مصر من جبهة السودان أكثر من المصريين أنفسهم، كما أن ليس كل ما يُعرف عن ما قامت وتقوم به مصر يُقال أو يُحلل. مصر — كما البرهان — تؤشّر يمينًا… وتنعطف يسارًا.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.