خبر و تحليل – عمارالعركي *إريتريا… زيارات كامل ومالك وأفورقي: من يملك القرار ؟ ومن يُكمل المسار؟*
خبر و تحليل – عمارالعركي
*إريتريا… زيارات كامل ومالك وأفورقي: من يملك القرار ؟ ومن يُكمل المسار؟*

* وصل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى بورتسودان في زيارة رسمية، ضمن ثلاث زيارات متتابعة في أقل من شهرين، جاءت تتويجاً لمسار دبلوماسي متسارع بدأ بزيارة رئيس الوزراء د. كامل إدريس في 9 أكتوبر، ثم زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار في 21 نوفمبر، قبل أن يصل رأس الدولة الإريترية نفسه في 29 نوفمبر.
* هذا التتابع المكثّف يشير بوضوح إلى أن ملف العلاقات السودانية – الإريترية عاد إلى صدارة المشهد. لكنه أيضاً يعيد طرح الأسئلة المزمنة ذاتها، وفي مقدمتها غياب الرؤية السودانية الموحدة لإدارة ملف بالغ الحساسية والارتباط بالأمن القومي والإقليمي والبحر الأحمر.
* الفاصل الزمني بين زيارتَي كامل ومالك… فجوة تكشف ضعف التنفيذ، فبعد ثلاثة وأربعين يوماً من زيارة كامل—وهي مدة كافية وفق السياق البروتوكولي والتنفيذي لظهور مؤشرات تنفيذية—لم تُشر البيانات الرسمية إلى أي تقدم ملموس. بل أعيد طرح الملفات نفسها وكأن شيئاً لم يُنجز، و تكررت لغة التأكيد بدلاً من لغة المتابعة والتقييم.
* لذلك تبدو زيارة أفورقي، ضمناً، وكأنها سؤال مباشر للخرطوم: “هل أنتم قادرون على تحويل المسار السياسي إلى مسار عملي؟” “وهل ما زال الملف يتنقل بين مستويات قيادية متعددة من دون مركز قرار واحد؟”
* على الجانب الآخر، تنظر أسمرا إلى التطورات السودانية من زاوية استراتيجية دقيقة: حالة السيولة غير المسبوقة في شرق السودان، سرعة تغيّر معادلات القوى على الحدود، الحراك الدولي المتزايد في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، إضافة إلى أن آثار الحرب السودانية باتت أقرب من أي وقت مضى إلى محيط إريتريا الجيوسياسي. وإريتريا — بطبيعتها السياسية وخبرة قيادتها—لا تترك مثل هذه التحولات تمر دون تثبيت مواقع أو تعديل معادلات.
* أما السودان، فلا ينظر للعلاقة مع إريتريا كترف دبلوماسي، بل كمحور لثلاثة ملفات مصيرية: الأمن الحدودي، اللاجئون والمجموعات المسلحة،و تأثيرات أسمرا على مشهد شرق السودان وعليه، فإن زيارة أفورقي تمثل اختباراً لقدرة الخرطوم على إدارة الملف بأسلوب مؤسسي متصل، لا عبر زيارات متواترة بلا نتائج.
* وتستدعي الزيارة ذاكرة العلاقة التي عُرفت بالمدّ والجزر، وبقابليتها العالية للتأثر بأي تغير داخلي أو إقليمي. وأفورقي، بخبرته الطويلة، يجيد قراءة التباينات داخل مؤسسات الدولة السودانية، ويعرف كيف يتحرك حين يغيب الصوت الموحد.
* ويمكن قراءة الزيارة من زاويتين متقابلتين: رسالة قلق من أن تفرز الحرب واقعاً جديداً على حدود إريتريا أو في شرق السودان لا يتوافق مع رؤيتها، وفرصة تراها أسمرا لإعادة ترتيب العلاقة بصورة تمنحها هامشاً أوسع من التأثير في ظل هشاشة الوضع السوداني الراهن.
* ويبقى السؤال الجوهري: هل السودان مستعد لاغتنام الفرصة؟ أم أنه سيكرر دورة الزيارات التي تُعلن ولا تُنفذ؟
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
* إن زيارة أفورقي تتجاوز المجاملات والبروتوكول، لتصل إلى اختبار جدية الخرطوم في إدارة أحد أخطر ملفاتها الإقليمية.
* فالزيارات المتتالية—كامل ثم مالك ثم أفورقي—رسمت المسار السياسي العام، لكنّ السؤال الآن: من يملك القرار؟ ومن يُكمل المسار؟
* والإجابة تبدأ بخطوة واحدة لا بديل عنها: إسناد ملف العلاقة بالكامل لوزارة الخارجية كجهة مؤسسية مختصة، لتحويل المسار السياسي إلى مسار تنفيذي مستدام يحمي مصالح السودان ويمنع اختراقات التباين الداخلي.
