زاوية خاصة نايلة علي محمد الخليفة *واشنطن تعاقب الاطراف وتُحصّن الرأس*
زاوية خاصة
نايلة علي محمد الخليفة
*واشنطن تعاقب الاطراف وتحصّن الرأس*

من يراقب المشهد السوداني منذ اندلاع الحرب ، لا يحتاج لكثير عناء ليدرك أن الولايات المتحدة ، بكل ما تملكه من منظومة استخباراتية عالية الكفاءة ، وأقمار صناعية ترصد التفاصيل على الأرض بدقة متناهية ، تعرف تمامًا من يشعل الحرب في السودان وإن تظاهر رئيسها بعدم المعرفة ، وتعرف من يقف وراء تدفّق المرتزقة ، ومن يموّل ويُدرّب ويُسلّح ، ومع ذلك تواصل واشنطن غضّ الطرف عن الدور الإماراتي ، ليس جهلًا ولا حسن نية ، بل لأنه يخدم جزءًا من استراتيجيتها الممتدة في السودان ، أو استكمال لما بدأته منذ فصل جنوب السودان عن جسد الدولة الأم.
الولايات المتحدة لا تتحرك بردود الأفعال ، بل وفق استراتيجية ثابتة ، خلق الضغط وزرع الفوضى ، ثم الادعاء بأنها الحَكم والوسيط ، تُمارس المراوغة لتبدو متعاطفة ، لكنها في العمق تُدير دفة الأحداث بحيث يبقى السودان رهين الحسابات الأميركية ، ولو أرادت واشنطن فعلاً إنهاء الحرب في السودان ، لذهبت مباشرة إلى تعطيل البئر لا لمحاولة قفل الحنفية ، والبئر هنا واضحة هي دويلة الإمارات ، مصدر التمويل والتجنيد والتفويج للمرتزقة عبر نقاط أشترتها بالدولار ، والتي تغذي المليشيا بلا انقطاع.
العقوبات التي أعلنتها وزارة الخزانة الأميركية على شبكة كولومبية تجنّد العسكريين وترسلهم للقتال مع الدعم السريع ، تمثل نموذجًا صارخًا لهذه المراوغة ، فالعقوبات طالَت الأطراف ولم تقترب من الرأس ، طالت الضابط المتقاعد وزوجته وشركات التوظيف ، لكنها لم تمسّ الجهة التي وفّرت الأرض والمال والغطاء السياسي والإعلامي ، وطالَت مرتزقة جرى استجلابهم للقتال ، لكنها لم تُصنّف المليشيا نفسها جماعة إرهابية ، رغم الأدلة التي وثقتها التقارير الأميركية قبل غيرها ، قتل ممنهج للرجال والاطفال ، اغتصاب للنساء ، تهجير المدنيين ، وسيطرة على الفاشر بمشاركة المرتزقة الذين تشير إليهم واشنطن نفسها.
الأمر واضح الولايات المتحدة تُدير الصورة لا الواقع ، تُصدر إدانات لتجميل موقفها بينما تترك أصل الشر دون مساءلة ، تُعاقب من ضغط على الزناد ، لكنها تُحصّن من سلّم السلاح ومنح الغطاء.
الموقف الأميركي في السودان ليس لغزًا ، إنه مراوغة محسوبة تُدين الأطراف وتُبقي على الفاعل الحقيقي محصّنًا ، لأن بقاء النار مشتعلة في السودان جزء من اللعبة ألامريكية ، لا خطًأ في إدارتها ولا جهلًا بمسبباتها…لنا عودة.
