منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

*كامل إدريس يُشرّع* عوض الله نواي

0

*كامل إدريس يُشرّع*

 

عوض الله نواي

 

– مدير وكالة One Press للتحقيقات الصحفية والإعلام*

منذ سقوط النظام السابق، لم تعرف الوثيقة الدستورية طريقها إلى الاستقرار. وُلدت مؤقتة، ثم عُدِّلت على عجل، ثم جرى الالتفاف عليها، ثم أُعيدت صياغتها تحت مسميات مختلفة، حتى انتهينا إلى واقع انتقالي بلا انتقال، وسلطة بلا تفويض، ودولة تُدار بالاستثناء لا بالنص.

تدرّجت التعديلات من شراكة هشة، إلى انقلاب صريح، إلى تسويات مُعلّقة، إلى فراغ سياسي طويل، ثم جاء تعيين الدكتور كامل إدريس في سياق لا يشبه البدايات الدستورية ولا يحترم نهاياتها. تعيينٌ تم في ظل غياب كامل للمجلس التشريعي، الجهة الوحيدة المنوط بها – أصلًا – سن القوانين، تعديل الوثائق، ومراقبة السلطة التنفيذية.

الوثيقة الدستورية: من عقد حاكم إلى ورقة إدارية

الوثيقة الدستورية، في أصلها، ليست منشورًا تنظيميًا ولا قرارًا وزاريًا، بل عقد حكم انتقالي بين السلطة والشعب. غير أن ما جرى عمليًا هو تفريغها من مضمونها، وتحويلها إلى مرجع مرن يُعدّل بقرارات سيادية أو تنفيذية، دون سند تشريعي، ودون نقاش عام.

وهنا يكمن الخلل الأكبر:
حين تُعدّل القواعد التي تُدار بها الدولة، دون الجهة المخوّلة دستوريًا بالتعديل، فإننا لا نكون أمام إصلاح، بل أمام تشريع بالأمر الواقع.

غياب المجلس التشريعي: أصل الأزمة لا تفصيلها

المجلس التشريعي ليس تفصيلًا يمكن تجاوزه بحسن النوايا، ولا ترفًا سياسيًا يُؤجَّل بحجة الظروف. هو صمام الأمان الوحيد بين السلطة التنفيذية والتغوّل، وبين الانتقال والانقلاب الناعم.

غيابه يعني:
• لا رقابة.
• لا مساءلة.
• لا شرعية قانونية مكتملة.
• لا فصل بين السلطات.

ومع ذلك، اختارت السلطة الانتقالية أن تمضي، لا بتجميد التشريع، بل باستبداله.

من يشرّع الآن؟

بصدور قرار مجلس الوزراء الانتقالي رقم (170) لسنة 2025م، والمتعلق بإنشاء “الجهاز التنفيذي الانتقالي”، لم يعد مجلس الوزراء جهازًا منفذًا فحسب، بل أصبح:
• واضعًا للسياسات،
• ومحددًا للاختصاصات،
• ومُنشئًا وملغيًا للوحدات،
• ومُعيدًا لهندسة الدولة.

وهي صلاحيات ذات طبيعة تشريعية خالصة.

الخطير هنا ليس القرار في ذاته، بل السياق الذي صدر فيه:
مجلس وزراء بلا مجلس تشريعي، يُعدّل بنية الدولة، ويعيد توزيع السلطات، ويُحكم قبضته على الجهاز التنفيذي… ثم يُسمّى ذلك “انتقالًا”.

مجلس السيادة + مجلس الوزراء = برلمان بديل؟

ما يحدث عمليًا هو استبدال المجلس التشريعي الغائب بثنائية:
• مجلس السيادة (غير المنتخب)،
• ومجلس الوزراء (غير الخاضع للمساءلة التشريعية).

وهذه معادلة تُنتج دولة تُدار من الأعلى إلى الأسفل، بلا رقابة أفقية، وبلا صوت عام، وبلا شرعية مكتملة.
دولة تصدر القوانين، وتفسرها، وتنفذها، وتحاسب نفسها… ثم تطلب من المواطن الصبر.

كامل إدريس: رئيس وزراء أم مشرّع فعلي؟

حين يرأس رئيس الوزراء مجلسًا يُصدر قرارات تنظّم الدولة، وتُعدّل وظائفها، وتُنشئ أجهزة وتُلغي أخرى، دون سند تشريعي منتخب، فهو – شاء أم أبى – يمارس وظيفة تشريعية.

وهنا لا نتحدث عن نوايا، بل عن أدوار.

المشكلة ليست في شخص كامل إدريس، بل في المنصب الذي أُفرغ من قيوده، وفي النظام الذي سمح للسلطة التنفيذية أن تملأ فراغ التشريع، بدل أن تُعالج سببه.

الخلاصة

الدولة لا تُبنى بالقرارات، بل بالشرعية.
والانتقال لا يُدار بالاستثناء الدائم، بل بالمؤسسات.
وغياب المجلس التشريعي ليس ظرفًا عابرًا، بل أصل كل هذا الخلل.

حين يشرّع مجلس الوزراء،
وحين يُعدَّل الدستور بلا مشرّع،
وحين تُدار الدولة بقرارات فوقية…
فلا تسألوا لاحقًا: كيف انهار التوازن؟

السؤال الحقيقي: متى يعود التشريع إلى أصحابه؟

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.