*الجيش السوداني الباسل … لماذا يستهدفونه ؟* السفير / رشاد فراج الطيب
*الجيش السوداني الباسل … لماذا يستهدفونه ؟*
السفير / رشاد فراج الطيب

الجيش السوداني ليس مجرد مؤسسة عسكرية تؤدي وظائف الأمن والدفاع ، بل هو أحد أعمدة الدولة الوطنية الحديثة ، ووعاء تاريخي تراكمت فيه معاني السيادة والانضباط ، وتكوّنت داخله منظومة قيمية ظلت ، لعقود طويلة ، تمثل القاسم المشترك الأعظم بين السودانيين على اختلاف مشاربهم السياسية والثقافية والجهوية .
جيش يقترب عمره من مائة عام ، تشكّل في لحظة وعي وطني مبكر ، وتطوّر مع تطور الدولة ، فصار أهم ممسك للوحدة الوطنية ، وأبرز حامٍ للاستقلال ، والضامن الأخير لبقاء السودان ككيان موحّد ذي هوية جامعة .
منذ نشأته ، لم يكن الجيش السوداني مؤسسة مغلقة على نفسها ، ولا أداة لفئة أو حزب ، بل ظل في جوهره تعبيراً عن المجتمع ، ومنفتحاً على تنوّعه ، ومعبّراً عن تركيبته الاجتماعية ، ومستنداً إلى عقيدة عسكرية راسخة تجعل من حماية الوطن وسيادته وخيارات شعبه أولوية لا تعلو عليها أولوية .
وحين تعثّرت الأحزاب السياسية ، وفشلت النخب الاجتماعية في بناء كيانات جامعة تعبّر عن الإرادة العامة ، كان الجيش هو المرجعية التي يُحتكم إليها ، والحَكم الذي يُعوّل عليه ، والنواة الصلبة التي منعت انزلاق الدولة إلى الفوضى الشاملة أو التفكك النهائي .
هذه المكانة لم تأتِ من فراغ ، بل من تراكم طويل للتقاليد العسكرية الصارمة ، والانضباط المؤسسي ، والالتزام بالقيم الوطنية الجامعة ، ومن شعور عميق بالمسؤولية التاريخية تجاه السودان كأرض وشعب وهوية .
ولذلك ظل الجيش ، في الوعي الجمعي ، هو المؤسسة التي تجمع ولا تفرّق ، وتحمي التعدد دون أن تفرّط في القومية ، وتصون الاختلاف دون أن تسمح بتحوّله إلى صراع وجودي يهدد الدولة نفسها .
من هنا يمكن فهم أسباب الاستهداف المنهجي الذي يتعرض له الجيش السوداني ، داخلياً وخارجياً .
فالقوى المتمرّدة على فكرة الدولة ، وتلك الطامعة في تفكيكها أو إعادة تشكيلها وفق أجندات ضيقة أو خارجية ، تدرك جيداً أن الجيش هو العقبة الكبرى أمام مشاريعها .
هو المؤسسة المؤتمنة على هوية السودان ، وعلى منظومته القيمية ، وعلى حدوده وسيادته ، وهو ما يجعله الهدف الأول لكل من يسعى إلى خلط الأوراق ، أو كسر قواعد اللعبة الوطنية والديمقراطية ، أو فرض وقائع سياسية بقوة السلاح أو المال أو التدخل الأجنبي .
الاستهداف الداخلي يتجلى في محاولات التشكيك المتعمدة في وطنية الجيش ، وتشويه صورته في الوعي العام ، وتصويره كطرف سياسي أو كخصم للشعب ، في حين أن حقيقته التاريخية والموضوعية تقول عكس ذلك تماماً .
هذه المحاولات تقودها قوى تعلم أنها لا تمثل الأغلبية ، ولا تعبّر عن المزاج العام ، فتسعى إلى إضعاف المؤسسة التي تحمي التوازن الوطني ، تمهيداً لإعادة صياغة المشهد السياسي خارج الإرادة الشعبية ، وبعيداً عن القواعد المتعارف عليها في تداول السلطة وبناء الشرعية .
أما الاستهداف الخارجي ، فهو أكثر خطورة وتعقيداً ، إذ يرتبط بحسابات إقليمية ودولية ترى في الجيش السوداني عقبة أمام مشاريع الهيمنة ، أو أمام إعادة رسم الخرائط السياسية والأمنية في السودان ومحيطه .
جيش وطني قوي وموحّد يعني دولة قادرة على اتخاذ قرارها السيادي ، وعلى حماية مواردها ، وعلى الانحياز لقضايا أمتها ، وهو ما لا ينسجم مع مصالح قوى تسعى إلى سودان ضعيف ، هش ، قابل للاختراق ، ومفتوح على كل أشكال الوصاية والتدخل .
إن استهداف الجيش السوداني ليس استهدافاً لمؤسسة بعينها وحسب ، بل هو استهداف لفكرة الدولة نفسها ، ولمفهوم السيادة ، ولإمكانية بناء مستقبل وطني مستقل .
وهو استهداف نابع من إدراك عميق لدى خصوم السودان بأن هذا الجيش ، بما يمثله من رمزية تاريخية ووطنية ، وبما يملكه من حضور في وجدان الشعب ، يظل العائق الأكبر أمام الأحلام الطائشة والمشاريع الخبيثة والمعزولة عن الإرادة العامة .
وفي مواجهة هذا الاستهداف المركّب ، تبقى الحقيقة الراسخة أن الجيش السوداني كان ، وسيظل ، وفياً لشعبه ، منحازاً لقضايا أمته ، ومتمسكاً بعقيدته الوطنية ، مهما اشتدت الحملات ، وتعددت محاولات الإضعاف والتشويه .
فالدول لا تُبنى بالشعارات وحدها ، ولا تُحمى بالنوايا الحسنة فقط ، بل بمؤسسات راسخة ، وفي مقدمتها جيش وطني يدرك معنى الدولة والسيادة ، ويعرف حدود دوره ، ويحمل عبء التاريخ ومسؤولية المستقبل .
وفي هذا المعنى ، يظل الجيش السوداني أهم أعمدة الصمود الوطني ، وحائط الصد الأخير في وجه الفوضى ، والتفكيك ، وضياع الهوية .
