بروفسير عثمان أبوزيد يكتب : *خريجو جامعة إفريقيا العالمية: الحضور والانتباه*
بروفسير عثمان أبوزيد يكتب :
*خريجو جامعة إفريقيا العالمية: الحضور والانتباه*

لا أجد مدخلا أنسب لمقالي هذا من إشارة خفيفة إلى مشروع كتاب يعكف على تأليفه صديقنا الأستاذ الدكتور محمد السيد عنوانه: مستقبل التعليم بين تحديات الذكاء الاصطناعي وإكراهات اقتصاد الانتباه.
لكن ما المناسبة؟
المناسبة أننا نعايش اليوم تحولات جذرية في بنية التعليم تحت تأثير (الأتمتة) والذكاء الاصطناعي، ونواجه أزمة في الحضور والانتباه وتفتت الوعي كما يشرح الكتاب المذكور. هنالك استعمار من نوع جديد يسعى بآليات السيطرة الرقمية ليستحوذ على وعي الإنسان ويوجه سلوكه وتفكيره. يقترح الكتاب ـ فيما يقترح ـ التعليم الأصيل واستعادة الانتباه بمدرسة الانتباه الجذري الإسلامي عبر الذكر والمراقبة وجمع الهمّ والصمت والتأمل.
منتجات التعليم الأصيل، نراها في خريجي جامعة إفريقيا العالمية، ولها أمثلة لا نحصيها وقصص فيها عبرة لأولي الألباب.
كنت أتحدث إلى رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في إحدى الدول بالوسط الغربي من إفريقيا، من خريجي جامعة إفريقيا العالمية؛ سألته: كيف وصلتم إلى الجامعة وهل قُبِلتم فيها على منحة دراسية؟ فأجاب: كثير من الشباب في بلدنا كانوا عندما يكملون الثانوية يتوجهون برًا إلى السودان، لكن للأسف قامت الحرب في دارفور وتوقفت هذه الرحلات. السفر من بلادنا بالطائرة إلى أي بلد عربي أو إفريقي مكلفٌ جدا لأنك تسافر أولا إلى دولة أوروبية ثم تتوجه منها إلى الجهة المقصودة.
أتذكر في مطلع السبعينيات الميلادية من القرن الفارط أن شبابًا صوماليين قطعوا الطريق من مقديشو إلى أم درمان سيرًا على الأقدام؛ ليلتحقوا بجامعة أم درمان الإسلامية!
منذ النشأة في عام 1966م معهدًا ثم مركزًا إسلاميًا حتى استوى عودها لتصير جامعة إفريقيا العالمية، ظلت هذه المؤسسة الفتية محضنًا لطلاب العلم من القارة الإفريقية ومن بقية قارات العالم. وللجامعة خريجون يتولون أرفع المناصب في بلادهم، وقد دأبت الجامعة على استضافة رموز منهم في اجتماعات مجلس الأمناء التي تكون عادة في مطلع يناير من كل عام.
قبل سنوات عندما حضرنا أحد اجتماعات المجلس في الخرطوم، قابلنا ملك قبيلة الماساي. جاء إلى السودان منزعجًا لأن بعض الجهات أشاعت أن عشرات الطلاب الذين قبلتهم جامعة إفريقيا من أبناء وبنات الماساي صار مصيرهم مجهولا وأنهم لن يعودوا إلى أهليهم، لأنهم ببساطة سوف (يؤكلون)! نعم والله: هكذا قال الرجل. أشاعوا أن المسلمين يأكلون الأولاد والبنات… وأضاف ملك الماساي متهكمًا: جئت إلى هنا لأجد الأبناء في خير حال، يدرسون تخصصات نادرة في الطب والهندسة والعلوم، ترعاهم الجامعة رعاية شاملة في السكن والطعام. ثم أردف موجهًا الحديث للحضور: سوف نبعث إليكم بالمزيد من أبنائنا لتأكلوهم هنيئًا مريئًا!
كنت قبل أن أجلس لكتابة هذا المقال أشاهد (فيديو) لمهرجان حافل في أديس أبابا دُعي إليه أحد خريجي كلية الطب في جامعة إفريقيا هو عفيف محمد تاج ليشارك في افتتاح المهرجان. يقول محدثي د. محمد تاج العروسي: كان لحضوره ومشاركته أثر كبير في نجاح المهرجان بهذا المستوى. هو مقرئ جيد للقرآن جرى استقباله في منيسوتا عندما سافر للصلاة بالناس في مسجد مركز التوفيق بمينيابولِس، وحضر الناس من ولايات مختلفة وحتى من كندا للصلاة خلفه، وجمع أهل منيسوتا مبلغا اشتروا به بيتًا في العاصمة أديس أبابا وأهدوه له. ويضيف د. محمد تاج: هذا الشاب ثمرة من الثمار اليانعة لجامعة إفريقيا العالمية، وإننا لندعو الله أن تعود هذه الجامعة سيرتها الأولى، بل أفضل.
كنا نزور جامعة إسلامية ناشئة في أمريكا عام 2013م، وطلب مدير تلك الجامعة أن نُعِينَها في تنسيب جامعتهم إلى جامعة إفريقيا العالمية. وتعجبنا من جامعة في أمريكا تطلب الانتساب Affiliation إلى جامعة مقرها في السودان… عجيب!
لعل الجامعات الإسلامية الوليدة التي قامت في إفريقيا حديثا وتتجاوز أعدادها أكثر من (55) جامعة وكلية جامعية، وجدت التعاون والتفاهم مع جامعة إفريقيا العالمية. جامعات مثل جامعة: عبد الله بن يسن ومحمد الأمين الشنقيطي في نواكشوط، وجامعات الإعمار في غينيا، والملك فيصل في إنجمينا، والجامعة الإسلامية في النيجر، وجامعة الأمة في كينيا، وجامعة الصميت في زنجبار، والفرقان في ساحل العاج، ثم الإمام البخاري، والكليات الجامعية مثل كلية الإمام الشافعي في جزر القمر، وكلية الدوحة في موريشيوس، والأولية في أثيوبيا. وكل هذه المنظومة من الكليات والجامعات أصبحت تعتمد العربية لغة رسمية للتدريس فيها، حيث ينتظم فيها ما لا يقل عن الـ 172 ألف طالب وطالبة.
لا شك أن النظام التعليمي الذي تتبعه جامعة إفريقيا من حيث ارتباط الطالب الوثيق ببيئته الجامعية مع الانفتاح على المجتمع السوداني؛ له التأثير القوي في وعي الطالب ونضجه التعليمي والوجداني واللغوي والروحي.
والجامعة تستقطب أميز الأساتذة على مستوى الإدارات وعضوية هيئة التدريس، ومجلس أمناء الجامعة مُكون من أعضاء يمثلون دول الخليج والدول الإفريقية، ولهم إسهامات كبيرة في دفع مسيرة الجامعة.
بهذه المميزات فازت الجامعة بأرفع جائزة؛ جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام للعام 2019م، وذُكرت مبرراتُ منح الجائزة، جهودُ الجامعة في خدمة الإسلام وتعليم أحكامه ونشر اللغة العربية في إفريقيا، وإيواءُ وتدريس عشرات الألوف من الطلاب والطالبات؛ وإسهامها في تعميق الأصالة الإسلامية والعربية من خلال إقامة مؤتمرات وندوات تهدف إلى إشاعة الوعي بقيم وتعاليم الدين الإسلامي والوسطية والاعتدال؛ وتوسيع نطاقها المعرفي من خلال أجهزتها الإعلامية؛ وانتشار كلياتها العلمية في مواقع جغرافية مختلفة من أنحاء العالم؛ وإنشاؤها مراكز متخصصة للدعوة وتنمية المجتمع، وللبحوث والدراسات، ولكتابة لغات الشعوب الإفريقية بالحرف القرآني، وإنشاء معهد متخصص في دراسة درء الكوارث واللاجئين؛ وحفظها التراث العربي الإسلامي، وتأسيسها أكبر مكتبة إسلامية باللغات الإفريقية.
التحية لجامعة إفريقيا العالمية وهي تتأهب لاجتماعات مجلس الأمناء للجامعة ومن البرامج المصاحبة هذا العام إقامةالجامعة لمؤتمر دولي مهم عن: (دور الجامعات في إعادة الإعمار عقب الحروب والأزمات) بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، في السادس إلى الثامن من يناير القادم، وكذلك تدشين توثيق شامل لمسيرة الجامعة.
