*بشير أبو سن يفتح «الأعمال الكاملة» لجمال محمد أحمد على قراءةٍ جديدة* تقرير / تيسير محمد حسين
*بشير أبو سن يفتح «الأعمال الكاملة» لجمال محمد أحمد على قراءةٍ جديدة*
تقرير / تيسير محمد حسين

احتضنت مكتبة الرواية العربية بالمؤسسة العامة للحي الثقافي- كتارا أمسيةً أدبيةً سودانيةً مشرقة، نظّمتها بالتعاون مع مجموعة لقاء الأدب والفكر والفن، خُصِّصت لمناقشة كتاب «الأعمال الكاملة – جمال محمد أحمد»، ذلك السفر الفكري للباحث والشاعر بشير أبوسن ، الذي أعاد تقديم أحد أبرز العقول السودانية التي قاربت الهوية والثقافة بوعيٍ متزنٍ ورؤيةٍ إنسانيةٍ واسعة.
وقدّم الباحث والشاعر بشير أبوسن قراءةً معمّقة في الكتاب، لم تكتفِ بعرض المحتوى، بل نفذت إلى روح المشروع الفكري لصاحبه، كاشفةً عن مسارٍ معرفي كتب إفريقيا من الداخل، لا بوصفها هامشًا، وكتب العروبة باعتبارها امتدادًا إنسانيًا لا نقيضًا. قراءةٌ اتسمت بوضوح المنهج، ودقة الاختيار، وأناقة العرض، عكست قدرة لافتة على الإمساك بالخيط الناظم بين المتون والحواشي، والسرد والتحقيق، والتاريخ والرؤية.
ويضم الكتاب أعمالًا مفصلية من بينها: مطالعات في الشؤون الإفريقية، في المسرحية الإفريقية، وجدان إفريقيا، وعرب وأفارقة؛ وهي عناوين تختصر مسارًا فكريًا ظلّ يبحث عن المشترك الإنساني، ويؤكد أن الثقافة جسرٌ لا جدار، وأن الهوية حوارٌ لا انغلاق، وأن السودان نقطة تلاقٍ حضاري لا موضع انقسام.
وعقب العرض، توالت التعقيبات من الأستاذ الدكتور الصديق عمر الصديق، والأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم أبوشوك، والأستاذ الإعلامي فوزي بشرى، إلى جانب الإعلامي والكاتب محمد سليمان الشاذلي، حيث أجمع المتداخلون والحضور على الإشادة بالجهد الكبير الذي بذله الباحث والشاعر بشير أبوسن في جمع هذا السفر، مؤكدين أن ما أنجزه يمثّل عملًا بحثيًا رصينًا تجاوز عمره الزمني، وحقق في سنٍّ مبكرة إنجازًا علميًا ومعرفيًا يُحسب له، من حيث التتبع الدقيق، والاختيارات الذكية، والقدرة العالية على السرد المتوازن بين التحليل والتوثيق.
وأشار المتحدثون إلى أن جمال محمد أحمد تميّز بأسلوبٍ فريد يجمع بين عمق الفكرة وسلاسة العبارة، ويتسم بتوازنٍ نادر بين البعدين العربي والإفريقي، دون افتعالٍ أو ميلٍ لطرفٍ على حساب آخر، وهو ما نجح المحقق في إبرازه بوعيٍ نقدي، حافظ على صوت المؤلف، وأضاف إليه قيمة الجمع والتنظيم والتحقيق.
وأكد الحضور أن سمات جمال محمد أحمد لا تتجلّى في كتاباته فحسب، بل في حضوره الفكري العام؛ إذ اقترن فكره بأناقةٍ واضحة في التعبير والسلوك، تعكس احترامه للثقافة بوصفها ممارسةً يومية قبل أن تكون خطابًا نظريًا. كما برزت رؤيته للسودان بوصفه جسرًا حضاريًا جامعًا، ومساحة ثقةٍ بين العرب وإفريقيا، لا ساحة صراع، بل نقطة التقاء وتكامل.
وشهدت الأمسية حضورًا لافتًا من الأدباء والإعلاميين والمثقفين والمهتمين، الذين أشادوا بجمع هذا العمل في سياقٍ نقدي مفتوح، وبقدرة كتارا على استضافة مثل هذه اللقاءات النوعية التي تعيد الاعتبار للكتاب بوصفه فعلًا حيًا، وحوارًا متجددًا، وذاكرةً لا تنفصل عن الحاضر.
أمسيةٌ أكدت أن الفكر حين يُقدَّم باتزان، ويُحاط بحوارٍ راقٍ، يتحول إلى مساحة أمل، وأن السودان، كما رآه جمال محمد أحمد، وكما أعاد تقديمه بشير أبوسن، سيظل جسرًا ثقافيًا نابضًا بين ضفتي العروبة وإفريقيا.
