منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

علي عسكوري يكتب : اما ان تسقط القسطنطينية او يسقط العثمانيون

0

لسنا اول أمة تواجه معركة وجود ضد استهداف خارجي وداخلى لها. فتاريخ الامم ملىء بالعبر والدروس التى يمكن ان نستق منها الدروس. ودوننا تاريخ روسيا وفرنسا والمانيا والصين واليابان الخ من كثير من شعوب وامم العالم.

لاحظت مؤخرا ان هنالك تسآؤل عند الكثيرين: لماذا نحن..؟ او لماذا حدث ما حدث! الخ من الاسئلة التى تجهل التاريخ و الصراعات التى حدثت والتحولات التى وقعت في مسار البشرية. يجهل هؤلاء اننا جزء من البشرية نتأثر بصاراعاتها واطماعها وبحثها المستمر عن الموارد من اجل البقاء، ولذلك سيلاحقونا ويستهدفونا حتى لو دخلنا في جحر ضب خرب! تلك هى حقائق التاريخ وصراعات الامم.

ليس من المستغرب حدوث ما حدث، فدوننا ما يجرى من استهداف لروسيا او الصين او حتى امريكا او ايران والعراق وليبيا وغيرهم، فالكل مستهدف، هذه هي طبيعة الصراع البشري. فهنالك من يستهدف روسيا ويسعى لتفكيكها وبالمثل هنالك من يستهدف امريكا ويسعي لتفكيكها وهنالك من يستهدف ايران ويسعى لضربها وتفتيتها الخ.. وليس في هذا جديد. المهم في هذا الامر هو ردة فعل الدولة والشعب على الاستهداف ومقاومته وابطاله.

علينا الان ان نسأل، هل كانت ردة فعلنا على ما وقع علينا من استهداف و تهديد لوجودنا بالقدر المطلوب؟ هذا سؤال يجب ان يسأله كل فرد منا لنفسه، وماذا كان دوره في رد الاستهداف؟

من خلال قراءة سريعة لتاريخ دولتنا بعد الاستقلال وطريقة مواجهتنا للتحديات الداخلية والخارجية يتضح ان الدولة في طابعها العام كانت تلجأ للحول الوسط و (المعلشة) و (الطبطبة) و سياسة عفا الله عما سلف، ومحاولة رم الجرح دون نظافته، ثم ما يلبث ان يتسبب في امراض اكثر واخطر تطول كامل الجسد. تلك المعالجات الخاطئة واقرار الدولة بأن العنف هو الوسيلة الاجدى لنيل الحقوق هو ما اوصلنا الى ما نحن فيه من درك سحيق من التمزق. فما رفع احدهم السلاح الا وهرعت اجهزة الدولة لمفاوضته وارضائه ورشوته بالمناصب او الحوافز المالية حتى ترسخ عند الكثيرين ان العنف هو الطريق الاقصر والاجدى.

حرب المليشيا الحالية لا تخرج في سياغها العام عن نهج الدولة في الاسترضاء، كما انها تشابه الصورة التى استولى بها المماليك على حكم مصر بعد ان أسقطوا الدولة الايبوبية في مصر ١٢٥٠م بمؤامرات (شجرة الدر) وجماعتها.

لقد علفت الدولة المليشيا وتعهدتها بالرعاية حتى قويت شكوتها فطمعت في الدولة بكاملها بمؤامرة خسيسة قامت عليها قوى خارجية وكثير من الخونة في الداخل تحت بصر اجهزة الدولة.

اخطر ما احدثته المليشيا من جرائم هو اجتثاث جذور التعايش بين مكونات الدولة. فقد وجهت المليشيا بجرائمها ضربة مميتة لمقومات التعايش بين المكونات وهذه قضية لا يمكن معالجتها ب(الطبطبة) و(المعلشة)، فالثابت ان اغلب المجتمعات لن تقبل ان تعيش في دولة تكون هذه المليشيا احد مكوناتها، اذ لم تترك المليشيا للاخرين خيارا غير القضاء عليها او ان تقضي عليهم. ولن يقبل الناس بدولة فيها مكون للجنجويد ومؤازريهم، فالخيار الان : ” اما ان يسقط الجنجويد او يسقط السودان” ولا ارى هنالك خيارا اخر.

لسنا اول واجه هذا الخيار، فالتاريخ يخبرنا ان اخرين قد سبقونا اليه وانتصروا.

في ليلة التاسع والعشرين من مايو ١٤٥٣ وبعد حصار للقسطنطينية تجاوز الشهرين، وبعد محاولات عديدة لاقتحام تحصينات المدينة المانعة – كانت القسطنطينية وقتها اكثر مدن العالم تحصينا- وبعد سقوط الالاف من الجند في محاولات مستميتة لكسر التحصينات ودخول المدينة، وبعد وصول معلومات للسلطان محمد الفاتح بان الاوروبين يجمعون جيشا عرمرم للدفاع عن القسطنيطنية وان الكنيسة الارسذوكسية تجاوزت خلافها التاريخي مع الكنيسة الكاثلوكية وقبلت بمرجعيتها وان البابا يقوم حاليا بتحشيد الجند للدفاع عن القسطنطينية و منع سقوطها في يد المسلمين، جمع السلطان محمد الفاتح الذي لم يكمل ال ٢٢ ربيعا من عمره، قادة الجيش والائمة لاخذ الرأى الاخير حول الخطوة الاخيرة وترك لهم الحرية ليقولوا ما يشأون.. رجح القادة العسكريون وبالنظر للخسائر الكبيرة في الجند في محاولات الاقتحام السابقة الرأى القائل بالوصول الى اتفاق سلام مع الامبراطور قسطنطين وفرض اقسي الشروط عليه وفك الحصار والانسحاب، بينما ذهب رأى الائمة والفقهاء على اقتحام المدينة مهما كانت التكاليف البشرية والقضاء على الدولة البيزنطية وحكمها الذى استمر لاكثر من ١٥٠٠ سنة وتوجية ضربة قاصمة لظهر المسيحين ومقاومتهم للتمدد الاسلامى في بلاد البلقان متمسكين بالحديث النبوي المتواتر ان المسلمين سيدخلون القسطنطينة.
استمع السلطان الشاب لكل الاراء بصبر شديد، و حسم امره واتخذ قراره، ثم هب واقفا وتبعه الاخرون، واتجه نحو الاف الجند المحتشدين وخاطبهم قائلا: “استعدوا للهجوم فغدا اما سقطت القسطنطينية او سقط العثمانيون”!

عند الظهر صلى السلطان صلاة الشكر في كنيسة ايا صوفيا.
لقد كان سقوط القسطنطينية واحد من أكبر احداث التاريخ حتى اليوم ولا تزال تأثيراته مستمرة.
اوردت هذه الحادثة للتذكير بأن القضايا الكبرى تحتاج للحسم الناجز وليس الحلول الوسط، فما اضر بلادنا شىء مثلما اضرتها الحلول الوسط والتسويات الهشة التى تؤجل الحسم.

ان مثل المعركة التى تخوضها القوات المسلحة حاليا تحتاج الى عزيمة وصبر وحسم بلا اى مساومات او حلول وسط تبقي على أس المشكلة لينفجر من جديد في الوقت الذى يختاره. ولا يمكن بناء الدولة على اساس الحلول الوسط.

فنهاية هذه المعركة يجب ان تحسم الكثير من القضايا والصراعات المصطنعة التى وسمت دولتنا فاما” سقوط الجنجويد او سقوط السودان”، فواقع الحال يقول: لا توجد ادنى فرصة لاى حل وسط مع هولاء التتار. ويجب الا نؤجل المعارك التى يتوجب علينا خوضها الى الاجيال القادمة، هذه فرصة تاريخية للحسم حتى تعيش الاجيال القادمة في سلام.

هذه الارض لنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.