د. ليلى الضو أبو شمال تكتب :حرب السودان بين تكتيك عسكري وطابور خامس
لا شك أن الحروب بين المجتمعات البشرية أمر طبيعي،، بدأ مع بدايات خلق الإنسان وسيستمر حتى نهاية البشرية، ويختلف العسكريون أحيانا مع المثقفين على رؤيتهم تجاه كيف تدار الحروب، فمنهم من يعتبرها علما ، ومنهم من يراها فنا صرفا ،،. ولكن المتفق عليه من كثيرين أنها تحتاج لكليهما،، والمعروف في علم الحرب أنه يدرس عادة انطلاقا من ثلاثة أوجه رئيسية أولها الاستراتيجية وثانيها التخطيط الاستراتيجي وثالثها التخطيط التكتيكي،، وتعرف الاستراتيجية بأنها فن تنظيم الجيوش وتنسيق القوى ووضع الخطط العسكرية في المعركة،، أما التكتيك فهو فن قيادة واستخدام القوات والسلاح في المعركة، وهو الوسيلة التي تستخدم لإنزال الهزيمة بالعدو،، بينما علم التكتيك يعني دراسة قوانين الحرب في وضع جزئي.
وحرب المدن هي الحرب التي تجري في المناطق الحضارية كالقرى والمدن وتعتبر من أصعب الحروب فهي معقدة ولا يتمكن كثيرون من اجادتها الا بعد خبرات طويلة وتتخللها تضحيات كبيرة لا يتحملها الا صاحب حق ، وتكمن صعوبتها في كونها تدور في دار الحكومات المراد اسقاطها او فرض الارادة عليها وقريبة من مقرات الأجهزة الأمنية وعيونها ولذلك حتمت هذه الحروب وجود قيادتين قيادة سياسية وأخرى عسكرية، وبالنظر إلى حرب السودان فربما تأخر أمد الحرب في الخرطوم لعدم توفر القيادة السياسية، والذي كان سببا مهما ونقطة ضعف في إدارة هذه الحرب ، كذلك تتسم حرب المدن بضرورة أن يكون المحاربون قلة وعلى مستوى عالي من التدريب والمهارة،، ولابد من الدقة العالية والسرية التامة وعدم إطلاع القيادات المشاركة خاصة السياسية منها على بعض الأسرار والأهداف ، وعلى قوات العسكرية الإلتزام بقوانين الحرب التي تتحكم (حسب الضرورة العسكرية) بمقدار القوة التي يمكن تطبيقها عند مهاجمة منطقة مأهولة بالمدنيين وذلك بحسب اتفاقية لاهاي للعام 1907 (قوانين وأعراف الحرب على الأرض) التي تضمت المادتين رقم 25و 27 على وجه التحديد واستكمل فيما بعد بالبروتوكولات الإضافية لمعاهدة جنيف في عام 1949 المتعلقة بحماية ضحايا الصراعات المسلحة الدولية وغير الدولية
وتشير دلالات ذلك إلى تأخر أمد الحرب في داخل المدن كحرب مدينة الخرطوم مثلا حيث يصعب كثيرا إحداث أي ضربات لما يترتب على ذلك من اذى للمواطنين في أرواحهم ومنازلهم ، ومثل تلك الحروب كانت تسمى بحروب الحصار حيث أن طبيعة حرب المدن تعني أن الجنود يجب أن يكونوا مستعدين لمجموعة متنوعة من التهديدات ويشمل ذلك القناصين والكمائن والعبوات الناسفة ، والانتحاريين، والشراك الخداعية، وتزيد البيئات الحضرية من مخاطر الأضرار الجانبية بسبب قرب المدنيين وغيرهم من الأفراد غير المقاتلين
إن الحرب بالمناطق الحضرية يتسبب في الفوضى والتي تكون وبالا على المدنيين حيث تنتشر السرقة، والاعتداءات، والقتل والاغتصاب ، والخطف وهذا كله يعيشه المواطن السوداني في ظل الحرب الدائرة الآن بالاضافة لنزوحه وعدم أمنه واستقراره والشيء المؤسف أن الحرب هذه في أحيان كثيرة يصعب فيها تطبيق اليات التكتيك الحربي المعروفة،، حيث أن العدو فيها متعدد وأسوأ ما فيها ما يسمى (بالطابور الخامس) وسبب تسمية هذا المصطلح( الطابور الخامس) يعود للجنرال( ايميلو مولا ) أحد قادة القوات الوطنية الزاحفة على مدريد وكانت تتكون من أربعة طوابير من الثوار فقال حينها أن هنالك طابور خامس يعمل مع الوطنيين لجيش الجنرال (فرانكو) ضد الحكومة الجمهورية والتي كانت ذات ميول ماركسية يسارية من داخل مدريد ويقصد به مؤيدي فرانكو من الشعب فأصبح فيما بعد مصطلح يطلق على العدو الخفي والذي أصبح الآن بطل معارك السودان ونجح العدو الرئيسي في زرع الشكوك والظنون حول كل فرد وحول كل جماعة،، واستطاع أن يبث الحقد في قلوب شتى فما أصعبها من حرب ،، وما أصعبه من ابتلاء ولعل الله أراد أن يمحص المؤمنين حقا فالتمحيص مرحلة من مراحل الرج للأمة ظاهرها العذاب والشكاة والألم والدموع ،،. وفي عمقها وحقيقتها ارتقاء بالمؤمنين ودرجات الإيمان فالصبر ثم الصبر ثم الصبر والنصر ات لا محالة