منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. فتح الرحمن الجعلي يكتب : *برباط بوت أيوب !*

0

د. فتح الرحمن الجعلي يكتب :

*برباط بوت أيوب !*

عندنا تلقيت نبأ استشهاد اللواء أيوب عبد القادر خرجت مني عبارة عفوية، إذ قلت :شيء طبيعي.
لازم يستشهد!
العبارة نتاج معرفتي القديمة والعميقة بالشهيد أيوب.
أيوب كان فتى عجيبا، مفتاح شخصيته الإخلاص وطيبة أهل القرية، يضحك حتى تظن أنه لا يعرف غير الضحك، فإذا جد الأمر حزم كأنه لا يعرف الهزل، فإذا تغير الموقف إلى غير الجد، عادت ابتسامته وضحكته المجلجة أحيانا.
كان أيوب مخلصا في كل شيء، لا يعرف التذبذب، طيبا في كل حين، لا ترى فيه إلا روح النيل والنخيل، والأرض الخضراء، مع عسكريته (الشطة).
كل من يعرفه كان يشفق عليه من أخذ نفسه بالعزائم، ويعجب على صبره اللا متناهي مع هذه النفس المتعبة، إذ يرى صورة المتنبي تتجسد فيه:
كُلَّ يَومٍ لَكَ اِحتِمالٌ جَديدُ
وَمَسيرٌ لِلمَجدِ فيهِ مُقامُ
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً
تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
منذ أن ذهب أيوب شهيدا، في نفسي إحساس ينتظر لحظة :
(… يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).
وكلما رأيت اوباش الجنجويد ومرتزقتهم وهم يتمزقون إربا إربا ، أحسست أننا ما زلنا في حاجة لمزيد مما يشفي صدور المخرجين من بيوتهم ظلما، ومن أخذت أموالهم عنوة، ومن أسروا وقتلوا غدرا، ومن أغتصبن إذلالا .
بفعل هؤلاء تملكني إحساس كنت أستنكره: إحساس الرغبة في الانتقام.
لذا، عذرت المهلهل بن ربيعة، الذي بعد أن قتل أخوه كليب، ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، وفقد الإحساس بلذاتها، فصور ذلك بقوله:
أكليب إن النار بعدك أخمدت
ونسيت بعدك طيبات المجلس
ثم انخرط في معارك ضد قبيلة بكر، فأريقت دماء كثيرة، لكنها لم تشف صدره ولم تذهب غيظه.
وأراد الحارث بن عباد (زعيم بكر) أن يحقن الدماء فأرسل ابنه( بجير) إلى المهلهل ليقتله مقابل دم كليب، فقتله، ثم قال:
“بشسع نعل كليب”
يعني لا يساوي سوى سير في ( شبشب) كليب !
كنت أدرس طلابي أن هذا الموقف ليس كريما ، ولو كنت مكان المهلهل لأرجعت ( بجيرا) إلى أبيه، وحقنت الدماء، فضلا عن كوني لن أقول : بشسع نعل كليب!
لكنني – بكل أسف- كنت مخطئا في تقييم مشاعر الرجل؛ فالرجل يدرك قيمة أخيه، ولو كان أخوه ( أيوب) وقيم روحه مقابل كل ما خسر الأوباش من مجرمين ومرتزقة لقال: برباط بوت أيوب!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.