براهيم عثمان يكتب : *الشفافية في زمن القحط ( ١ – ٦)*
ابراهيم عثمان يكتب :
*الشفافية في زمن القحط ( ١ – ٦)*
*١/ العلمانية*
▪️يكثر قادة قحت الحديث عن تميزهم عن غيرهم من الكيانات بالشفافية، لكن آخر من يحق لهم إلقاء المحاضرات عن “الشفافية” هم جماعة قحت والتنسيقية، فعدم الشفافية عندهم ليس أمراً هامشياً يتعلق بالتفاصيل، بل بأساس مشروعهم العلماني، وإذا ارتبط عدم الشفافية بالمشروع نفسه فإن قائمة طويلة من الأفعال والأقوال غير الشفافة ستنتج عن ذلك حتماً .
▪️من هذه الأقوال غير الشفافة ما قاله وجدي صالح ( سمعتونا في يوم جبنا سيرة علمانية ؟ سمعتونا في يوم قلنا السودان دولة علمانية ؟)، وما قاله محمد ناجي الأصم ( موضوع علاقة الدين والدولة ليس من أجندتنا في قوى الحرية والتغيير ولن نفرضه على الناس لأننا ديمقراطيين، ولا نأتي على سيرته أصلاً .. ) وقد اجتمع في قوليهما الصدق والكذب، فما قالاه صادق لجهة تحاشيهم كلمة العلمانية تماماً، وكاذب لجهة إخفاء الحقيقة، وهي أن هذا التحاشي سببه علمهم بسوء سمعة كلمة العلمانية لا عدم رغبتهم في تطبيقها، ولا عدم تنفيذهم لهذه الرغبة، وهذا يصل بعدم الشفافية إلى أقصى الحدود .
▪️ وفي خداع مكشوف يتبنون مصطلح “الدولة المدنية”، ولخشيتهم من أن يقصِّر المصطلح عن معنى العلمانية ولا يحققه بتمامه يضيفون “التي تقف على مسافة واحدة من الأديان”، وأحياناً لمزيد من التعمية يضيفون الهويات والثقافات ليكون التعبير ( .. التي تقف على مسافة واحدة من الأدبان والهويات والثقافات ) كما جاء في اتفاقهم مع الدعم السريع في أديس أبابا .
▪️ نقل عنهم د. محمد يوسف عضو حركة الحلو أنهم حدثوهم عن موافقتهم على طرح الحركة العلماني واقترحوا تسمية بديلة لأنهم يعتقدون أن : ( النص صراحةً علي كلمة علمانية يمكن أن يخلق لهم مشاكل مع المواطنين الذين لا زال الجهل يسيطر علي مجموعات كبيرة منهم )، ولم يكذبوه !
▪️ونقل د. محمد جلال هاشم عن أ. نصر الدين عبد البارئ أنهم يعملون لتطبيق العلمانية لكن بالتدريج، والتدرج بالطريقة التي كانت تطبقها قحت كان نوعاً من التقية وعدم الشفافية، وإقالة د. عمر القراي كانت ذات صلة “بشفافيته” الزائدة عن المعدل، وبعدم التزامه بالتدرج الذي لا يلفت النظر ولا يستفز الناس بدرجة كبيرة .
▪️في مقال قديم لها قالت أ. رشا عوض الناطقة الحالية باسم تنسيقية قحت : ( أرفض منهج المهادنة، وتفادي المواجهات الحاسمة والجذرية )، ودعت إلى تجاوز الشريعة ( تجاوزاً حاسماً )، وانتقدت التعلل بوجود مسيحيين لرفض الشريعة، وانتقدت ( الحديث عن أن ما طبقه النميري وطبقته الإنقاذ ليس هو الشريعة الصحيحة ) لأنه في اعتقادها لا توجد شريعة صحيحة أصلاً، وإنما ( مصطلح سياسي معاصر من صنع “بشر عاديين” وليست لها أية قدسية دينية )، لكن “شفافيتها” هذه تبخرت بالكامل عندما جاءت قحت إلى السلطة وأصبح منهج التقية والتدرج والمواجهة غير الحاسمة، والتعلل بتشويه الشريعة وبوجود المسيحيين هو الأساس، ربما لقناعتها بأن مرحلة السلطة تقتضي هذا المنهج طالما أنه لا يعطل تطبيق العلمانية !
▪️اتتقلت عدوى عدم الشفافية فيما يخص العلمانية إلى حلفاء قحت، ومنهم مجموعة د. كمال عمر، وللخلفية الإسلامية للمجموعة تمظهر عدم شفافيتهم في شكل تناقضات، فكمال عمر الذي يقول أمام أعضاء حزبه ( الدين في الدستور نحن المسؤولين منو ) ويضيف ( لو ما اتعدلت كلمة مدنية في مشروع الدستور الانتقالي دا، نحن بناخذ موقف سياسي وبنخرج عن هذا الدستور )، هو ذاته الذي يتبنى خطاباً معاكساً في معرض دفاعه عن الدستور العلماني ويقول ( نحن مستعدين نفسر المدنية بأنها تعني ضد العسكرية لا العلمانية ) و( الكلام عن الدين شبعنا فيهو ) و( الاتفاق الإطاري غير قابل للفتح )، وهو الاتفاق الذي يشدد على مدنية الدولة التي خدّر عضوية حزبه بأنهم سينسحبون إذا لم تُعدَّل !
▪️ أيضاً من تناقضات د. كمال عمر أنه كان في معرض تسويقه لدستور قحت والأجانب يحاول طمأنة عضوية حزبه ويقول إن الفترة الانتقالية لن تحسم موضوع العلمانية، وإن الأمر سيُحسَم بالانتخابات، لكنه في معرض طمأنته لأحد العلمانيين المتخوفين من الانتخابات قال له ( إنت عندك مشكلة في أنو الإسلاميين يتجمعوا ويجيبوا قانون يجيبوا دستور إسلامي ؟ دي ما بتبقى تاني، ما بتبقى ) !
▪️ المفارقات التي نتجت عن عدم الشفافية بخصوص المشروع العلماني كثيرة، منها :
* يحتاج أصحابه إلى وعد الخارج، ومخادعة الداخل !
* لا يستطيعون إظهار حماسهم له، وبالتالي فهم أقل استطاعة لتحميس الجماهير .
* ويحتاجون إلى العمل لا الكلام بافتراض غريب بأن العمل أقل قابلية للملاحظةً، وبالتالي أقل استفزازاً من الكلام .
* لا يستطيعون اتتاج شعارات ذات صلة مباشرة وواضحة به لترددها الجماهير .
* الشعار الوحيد هو ( مدنياااااو ) الذي أرادوا من الناس أن يرددوه كالببغاوات، بل وردوا به على بارود صندل عندما سألهم عما يقصدونه بالدولة المدنية التي تقف على مسافة واحدة من الأديان كما روى كمال عمر !
* العار عند الناس ليس عار العنوان ليزول بتحاشيه، بل هو عار المشروع نفسه، ولذلك أصبحت أقسى تهمة يوجهها لهم خصومهم هي شدة وفائهم لمشروعهم، وأفضل دفاع هو إنكارهم لهذا الوفاء !
* ولأسباب متعلقة بعدم الشفافية لم يضيفوا ما حققوه في مشروعهم العلماني إلى قائمة ( إنجازاتهم ) .
* ولم يضيفوه إلى موضوعات حملة ( شكراً حمدوك) الشهيرة .
* ولم يتحدثوا بصوت جهير عن أضرار أصابت مشروع العلمنة جراء فض الشراكة في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ .
* ولم يضيفوا العلمانية إلى قائمة مسوغات عودتهم إلى الحكم .
* ولم يعدوا صراحةً بالانطلاق إلى خطوات متقدمة في مشروع العلمنة بعد عودتهم إلى السلطة .
إبراهيم عثمان