منصة السودان الأولى
التواصل الاجتماعي

د. محمد بشير عبادي يكتب : *الخطبة المنبرية لنفع البرية*

0

د. محمد بشير عبادي يكتب :

*الخطبة المنبرية لنفع البرية*

تطور وسائل الاتصال الجماهيري في عصرنا الحاضر وإزدياد حاجة الناس إليها، بحكم الفطرة البشرية التي تميل للأخبار ومعرفة كل ما هو جديد، جعل وظيفة هذه الوسائل تتحول من ترفيه إلى ضروريات حياتية،إذ لم تعد ترفا أو ضربا من الكماليات، فعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، صار الناس يقضون حوائجهم من بيع وشراء وتسوق وترويج لمنتجات وخدمات وغيرها.. صار راود المواقع الاسفيرية مؤثرين في الشأن السياسي وقيادة الرأي العام وتوجيهه.. عبرهم صنعت ثورات وشنت حملات إعلامية تبني وتهدم أمم، تعلي من شأن هذا وتسقط ذاك.
ولكن رغم ذلك تظل الخطبة المنبرية وحديث المسجد من أكثر ضروب الإتصال تأثيرا، فكما هو معروف أن الاتصال الشخصي أو المواجهي هو من أوقع أنواع الاتصال وأشدها فاعلية وذلك لأن التشويش فيه يكاد ينعدم والخطيب بما لديه من مهارات إتصالية يجعل رسالته مفهومة ومهضومة لدى المتلقي، بجانب الصفاء الروحي الذي يوفره المكان (المسجد) والذي يجعل النفوس متهيئة لتقبل الحديث وما يحمله من تذكرة ووعظ. الخطبة هي رسالة غايتها الإقناع، أما الخطيب فهو القائم بعملية الخطابة وإلقاء الخطبة مقروءة أو مرتجلة، فيكون الخطيب من يقوم بالخطابة لإقناع الناس بفكرة معينة أو رأي واستدراجهم والتأثير فيهم..الخطابة هي فن مشافهة الجمهور للتأثير عليهم أو استمالتهم والخَطْب والمخاطبة والتخاطب جميعها تعني المراجعة في الكلام.
من هذا يتضح أهمية الخطبة المنبرية ومدى خطورة رسالتها، لذلك من الحكمة والكياسة توظيفها بما ينفع الناس في دينهم ودنياهم، بحيث تكون موجهة لوحدة الناس، لا فرقتهم بجعلها وسيلة للاستقطاب الطائفي والمذهبي أو السياسي والفكري أو لشن الانتقادات المدمرة للخصوم والنيل منهم بحدة الألسن والفظاظة في الطرح،مما حول كثير من المساجد لسوح للمعارك الكلامية ومنابر للنفث سموم الأحقاد والضغائن.
لقد أمر رب العزة بالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والقول الحسن، (وقولوا للناس حسنا)، فالكلمة الطيبة صدقة، لها وقعها الطيب على القلوب..بشروا ولا تنفروا.
درجت كثير من الدول المسلمة على إنزال سياستها وقراراتها وموجهاتها في كافة القضايا وتمليكها للجمهور عبر الخطب  المنبرية في المساجد، مما كان له الأثر الفعال في انتظام حياة رعاياهم، بعد التزامهم بقوانين الدولة والسير على هداها والتزام الجادة.. لا حرج في ذلك ولا كراهة، طالما فيه خير الناس ومصلحتهم، حيث لا يجب أن تقتصر مواضيع الخطب وحديث المسجد فقط حول الجوانب التعبدية والتربوية، بل يجب أن تصاحبها أمور الدنيا أيضا في معاش الناس وأمنهم وفي حربهم وسلمهم ولا حرج أن يتنزل موضوع الخطبة من جهات الاختصاص في وزارة الأوقاف لتوجه به كافة مساجد الدولة ولا حرج من التنويه والاعلان عن أي قرار رئاسي أو وزاري أو محلي، بل حتى حالة الطقس والتحذير من مخاطر الفيضانات والزوابع أو الدعاء لنزول المطر أو إنخفاض الحرارة وإرتفاعها.. كل هذه الأشياء وغيرها أمور حيوية يحتاج فيها الناس للتنوير وللتعبئة أيضا، بذلك نضمن إعلام الكافة بالقرار المحدد أو التوجيه في توقيت واحد معلوم للجميع وبأسلوب سلس مقبول.. يجب أن يعاد تقويم دور الخطبة المنبرية، بحيث تكون رسالتها مباشرة، مصوبة لأجل منافع الناس، مستصحبة الدور التربوي بجانب إنزال التكاليف للعامة،ففي ذلك وحدة للصف وإحساس جماعي بالمسؤولية وتعزيز للرقابة الذاتية للفرد، فينصرف تلقائيا عن كل ما يضر بالمصلحة العامة، فيغض بصره ويحفظ جوارحه عن محارم الآخرين في عروضهم وأموالهم وممتلكاتهم ويصير التفكير الجمعي للناس إيجابيا تجاه كافة القضايا التي تهم البلاد، فإن هجم علينا عدو وجدنا مستعدين متسلحين وان دهمنا وباء وجدنا محتاطين وإن سال وادينا وجدنا (مترسين) وإن أصابنا قحط صلينا مستسقين وتضرعنا بالدعاء أجمعين وبذلك تتحقق الغاية بالتوحد، فالهم صار واحدا والوجهة واحدة.. وهذا ما أمرنا به نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، بالاصطفاف كالبنيان،بقوله:(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاََ وشبك بين أصابعه)..لعلنا بذلك ندرك الدور العظيم للخطبة المنبرية في نفع البرية،فنراه منداحا في جوامعنا ومساجدنا ومصلياتنا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.